كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بمقدار ما حاول رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تخفيف وطأة تبنيه والمعارضة ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور للرئاسة، بمقدار ما وقع الخبر كالصاعقة على الثنائي الشيعي. حتى اللحظات الأخيرة بقي الثنائي يعول على استدارة باسيل وفرملة خطواته والعودة الى «بيت الطاعة» لتكون خطوة باسيل بالذهاب بعيداً رئاسياً وهو ما وجد فيه «حزب الله» خطوة بعّدت المسافة بينهما وعمّقت خلافهما.
فتح «حزب الله» نيران مواقفه على المعارضة وضمناً على باسيل الذي شكل غطاء لمرشح يرفضه وبات يتعاطى معه على أنّه مرشح تحدٍّ، إن من ناحية الوقائع المتصلة بترشيحه أو بعدد المؤيدين. اذ يتبين أنّ المطلوب من ترشيح أزعور أن يلغي ترشيح سليمان فرنجية ليسلك الجميع طريق البحث عن مرشح ثالث، لكأن المقصود هنا ليّ ذراع الثنائي وإجباره على الخضوع لحوار حول مرشح توافقي.
باستياء تلقى «حزب الله» خطوة باسيل ويسأله عبر مصادر مطلعة «هل بات فؤاد السنيورة والإبراء المستحيل أقرب اليك من سليمان فرنجية الذي تنازل طوعاً عن الرئاسة لصالح ميشال عون؟»، وعلى الرغم من تأكيد باسيل أنّ الإتفاق على أزعور لم يتم الا في سياق لائحة من عدة مرشحين، لكن موقفه فسر من جانب «حزب الله» بكونه محاولة من باسيل لإرضاء جماعته وتبريراً لخياراته أمامهم يريد أن يقنعهم انّه تقدم بعدة اسماء وهم اختاروا أزعور.
لـ»حزب الله» عتب عميق على الحليف الذي استعان بعمه الرئيس ميشال عون ليوحد كلمة التيار «نكاية بفرنجية»، ورغم موافقة المسيحيين أو غالبيتهم إلا أنّ ترشيح أزعور في حسابات «حزب الله» ليس إلا «ترشيح مناورة،» ولو أنهم يفهمون المناورة بشكل خاطئ «فالمناورة بالنسبة لهم طرح أزعور ونحن نطرح فرنجية فلا ينجح الاثنان، أما المناورة بالنسبة لـ»حزب الله» فهي طرح رئيس حكومة مقابل رئيس جمهورية. فليأخذوا رئيس الجمهورية مقابل رئيس الحكومة وهل يجوز أن تكون لهم رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش والحاكمية ونصف البرلمان ويقولون ليس مسموحاً فرض الرئيس، أليس من حق الثنائي أن يطالب بضمانات؟».
يؤكد «حزب الله» حسب مصادر مطلعة على أجوائه أنّ أزعور سيتحول إلى ميشال معوض جديد غير متفق عليه وقد وافق عليه باسيل بعد عودته من باريس بعدما رآها متمسكة بفرنجية.
في حساباته ووفق أرقامه، فإنّ فريقه والحلفاء متماسكون ويملكون 55 صوتاً. ومهما طال الزمن وتعقد فإنّ «حزب الله» يجزم بأنّ ترشيح أزعور لن يمر وأن البحث الرئاسي تعقد بعدما حسم باسيل خياره السياسي والعسكري والاجتماعي «فليكن له ذلك. اختار حلفاء جدداً هم سمير جعجع وفؤاد السنيورة وهو حر بخياراته، في طريق السلامة، وهكذا لن نكون مضطرين للتعطيل لأجل حليفنا».
وما يتخوف منه «حزب الله» أن يخرج باسيل من الطرفين بلا مكتسبات خاصة وأنه لم يضع شروطه على أزعور، ولم يجتمع معه بعد وهم جروه إلى خيار لم يكن يؤيده. تعقدت الأمور رغم الإعلان عن مرشح ثانٍ جعل الثنائي يستبعد وفق مصادره، تحديد موعد لجلسة انتخاب قريبة، «وفي حال أحرجوا رئيس المجلس وحدد الموعد فلا طرف يملك 65 صوتاً ما يعني وقوع التعطيل حكما».
لكن رب قائل إنّ موقف باسيل لم يأت من فراغ، وقد سبقته خطوات من الثنائي فهمها كرسالة ضغط كانت أولاها تشكيل أبو سعيد الخنسا فريقاً من المسيحيين يتقدمه عبد الله فرحات لزيارة بكركي كمكون مسيحي داعم لفرنجية، وسعى فريق من الثنائي إلى دغدغة مشاعر النائب ابراهيم كنعان لرئاسة الجمهورية، ووعد شريك «حزب الله» في الثنائية بتفريق شمل التكتل من الداخل لتسأل مصادر التيار «هل تدخل هذه في شروط الشراكة بين الشيعة والمسيحيين؟».
يرفض «التيار الوطني الحر» مقاربة «حزب الله» لموقف رئيسه وتقول مصادره «ليس خطاب باسيل الذي عقد الأمور بل الذي عقدها عدم الأخذ في الإعتبار كل النصائح التي أعطيت لـ»حزب الله» بمراجعة الواقع المسيحي جيداً «فلا تعتمدوا حسابات خاطئة ولا يجركم أي طرف نحو رهانات غير مصيبة وتحديداً الرئيس نبيه بري». وتقول: «باسيل حصر الأزمة بالشأن الرئاسي بينما عاد وأكد ثوابت لها بعد استراتيجي سواء بالنسبة لسلاح المقاومة ودورها أو بالكلام عن مشروع مشرقي». وقد تقصد باسيل الإشارة لحلفائه إلى حجم الأزمة التي تسبب بها الخيار الخاطئ.
يرفض مقولة تنازل فرنجية لصالح العماد عون في الدورة الماضية «لا يوجد وجه شبه بين فرنجية وعون، لا الظروف ذاتها ولا الشخصية ولا الحجم السياسي للرجلين مشابه أيضاً. ليس صحيحاً أنّ حظوظ فرنجية كانت متوافرة وتنازل عنها لصالح ميشال عون لأنه كان واضحاً أنّ عون بصموده ودعم «حزب الله» لترشيحه سحب إلى جانبه اصطفافاً مسيحياً وكان من الأسباب التي جعلت رئيس القوات سمير جعجع يوافق عليه بعدما استشعر بخطر فرنجية فرأى أن الأفضل الإتفاق مع عون بوصفه الأقوى وأدلى بنظرية الأصيل والوكيل».
في قراءة التيار «وضع خطاب باسيل النقاط على الحروف وفتح أبواب الحوار بتأكيده ضرورة التفاهم على أسماء أخرى وهو القائل إنّ أزعور لن ينتخب رئيساً إلا بعد موافقة الثنائي». وتتابع المصادر قولها «هو فتح باب المفاوضات مع «حزب الله» ولديه الرغبة بذلك. يتفهم أنّ «حزب الله» يتصرف من موقع الوفاء لفرنجية ولكن على الأخير أن يستخلص العبر ويتوقف عن إحراج «حزب الله». باستمرار ترشيحه يحرج حليفه ويمنع الحلول وليستخلص العبر من ان البيئة المسيحية لن ترضى بترشيحه وعليه ان يجري قراءة عقلانية تؤدي الى اعترافه بالحقيقة وانسحابه من المعركة».
نحن امام أزمة مفتوحة ولا رئيس في الأفق القريب، يؤكد «حزب الله» كما «التيار الوطني». وبقول باسيل «يستحيل أن ينتخب أزعور رئيساً في ظل الرفض الشيعي الراهن» بات البلد امام مستحيلين: مستحيل انتخاب أزعور ومستحيل انتخاب فرنجية.
ليس لعناد الطرفين ضد بعضهما بل لأن المعارضة لم تتكتل بعد كصف واحد لصالح أزعور، في ظل غياب ما يناهز عشرة نواب يفضلون خيار زيارد بارود، ناهيك عن موقف الإشتراكي الذي لم ينضج بعد ولا يزال يتأرجح بين أزعور… وضده.