كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كرمْية من غير رامٍ، جاءت زيارة الرئيس ميشال عون إلى سوريا فوجدها الثنائي خطوة من شأنها أن تعيد خلط الأوراق رئاسياً خاصة وأنّها أتت في أعقاب رفض «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل ترشيح حليف سوريا الأساسي سليمان فرنجية وإعلان تحالفه مع المعارضة أي مع خصوم سوريا من «»القوات و»الكتائب» و»التغييريين».
لعبها عون بشكل صحيح وقصد سوريا بعدما أعيد احتضان رئيسها بما لا يعرضه لإنتقادات في الداخل اللبناني وهو الذي وقف إلى جانب سوريا في عز أزمتها، وقد يكون حان الوقت لرد الجميل بالمثل. ولكن هل سترضى سوريا بوقوف عون ضد فرنجية ولمن ستولي الإهتمام والأولوية؟ من دون باسيل قصد عون سوريا وفي ظل الأزمة الرئاسية فهل سيعود عون خالي الوفاض إلا من استقبال رسمي وحفاوة اللقاء؟ أم سيكون للتيار ورئيسه الفخري ما يمني النفس به فيستقوي على الثنائي بالحليف السوري؟ تقول مصادر الثنائي إنّ الزيارة كفيلة بإحداث تغيير لصالح فرنجية حتماً لكن مصادر أخرى لم تخرج الزيارة من نطاقها البروتوكولي.
أمّا في المعطى المحلي، فقبل تحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس كان الكل عاتباً على رئيس مجلس النواب نبيه بري لعدم دعوته إلى جلسة جديدة بعد فشل الجلسات السابقة. في لحظة تلت تردد، عيّن بري موعداً للجلسة فوقع الجميع في ورطة. فكيف سيتعاطى كل فريق ومن سينتخب والسبب أزمة انعدام الثقة حتى داخل الفريق الواحد وعلى وجه الخصوص بين التغييريين والقوات والتيار الوطني الحر. حتى الأمس لم يكن أي فريق حسم الأصوات النهائية المضمونة لصالح مرشحه وأي منهما لم يبلغ الـ 65 صوتاً بعد.
يتوزع المشهد الحالي بين فريقيْ المعارضة والثنائي اللذين يعانيان أزمة في التعاطي مع جلسة الإنتخاب المقررة، وبين مرشحين لم يعلن اي منهما ترشيحه بعد ويعاني كل منهما أيضاً من أزمة الفيتو على ترشيحه المهدد بحجب الميثاقية.
مرشح الثنائي سليمان فرنجية في حيرة من أمره. في الجلسات السابقة تمنى على حلفائه الإقتراع بورقة بيضاء إلى حين الإتفاق وضمان انتخابه. فكيف سيبرر الحلفاء الإقتراع بالورقة البيضاء طالما هناك مرشح ثان في المقابل؟ لا يمكن لفرنجية أن ينسحب ولا أن يستمر كمرشح ولو أنه لم يعلن ترشيحه بعد. ازاء هذا الواقع المأزوم لا تستبعد مصادر سياسية مطلعة أن يتخذ فرنجية القرار من تلقاء نفسه بعدم السير بترشيحه لا سيّما وأنّه لم يعلن ترشيحه رسمياً بعد. قد يكون الأفضل له أن ينسحب ويحافظ على موقعه كزعيم مسيحي ويتحول إلى «صانع رئيس» على أن يحكم ست سنوات تضعف رصيده فيخسر من الناحيتين.
وليس وضع مرشح المعارضة أفضل حالاً. مرشح غير قادر على اعلان ترشيحه ولا العمل علناً لتحسين حظوظه. علاقته مع «الثنائي» ليست جيدة. خلال لقائه رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» محمد رعد قدم أزعور نفسه كمرشح رئاسي يملك رؤية اقتصادية متكاملة فأحاله «حزب الله» إلى رئيس مركز الدراسات الإقتصادية عبد الحليم فضل الله. ولكن كيف لـ»حزب» التزم مع فرنجية أن يبدل خياراته؟ مشكلة أزعور أنّه امتداد لحقبة فؤاد السنيورة وأنّه يتماهى مع سياسيات صندوق صندوق النقد التي يرفضها «حزب الله» رفضاً قاطعاً. أزعور مهدد بحجب الميثاقية الشيعية عنه وإن تقدم ترشيحه على فرنجية أميركياً وسعودياً، فيما لا يزال فرنجية متقدماً من ناحية فرنسا التي لم تلغ حظوظه بعد من التداول.
بكركي بين الترشيحين
وبين الترشيحين المستحيلين تقف بكركي وسيدها الذي أخذ على نفسه ألا يدخل في لعبة الأسماء بعد اليوم ولن يفاضل بين أبنائه، والمهم في حسابات البطريركية المارونية التوافق على رئيس يرضى عنه الجميع.
على ضفة الطرفين أي المعارضة والثنائي ثمة فريقان أساسيان في عملية انتخاب رئيس الجمهورية هما السنة والإشتراكي. يحاول كلا الطرفين استمالتهما لصالح مرشحه.
وكلاهما تصويته غير مضمون سواء لصالح فرنجية أو لصالح أزعور. وقد يكون الإصطفاف الطائفي الذي صار سمة الإستحقاق الرئاسي حالياً سبباً لتنحي الإشتراكي جانباً، من دون الإلتزام بمرشح محدد. أما السنة فموزعون على أكثر من خيار. منهم الأقرب إلى فرنجية ويلتزم بانتخابه، ومنهم المعارض والذي هو أقرب للتغييريين علناً وقد يتغير موقفه في لحظة معينة، وثالث سيقف على الحياد وعينه على رئاسة الحكومة.
بين فرنجية وأزعور معركة غير مضمونة لأي منهما. خروج أحدهما يريح الآخر وخروجهما معاً يريح البلد ويفتح المجال أمام حوار مطلوب بين طرفي المعارضة والثنائي، تراه المصادر السياسية خطوة لا بد منها، وتقول إنّ الثنائي بات يرى استحالة في ايصال مرشحه للرئاسة وهو وإن كان يتريث في تغيير موقفه إلا أنه يدرك أنّه يواجه أفقاً مسدوداً رئاسياً ما قد يجبره على القيام بخطوة إلى الخلف، ليس معلوماً متى يحين موعدها.
وتمضي المصادر قائلة إنّ فرنجية غير مرتاح لوضعيته وإن كان يصر على متابعة المعركة، وأزعور كذلك الأمر، ولكن ليس معلوماً متى وكيف سيكون الخروج من المراوحة. ربما تكون الجلسة هي المحرك حيث المرجح إنسحاب الثنائي من الجلسة وعدم اكتمال نصابها ليكون بذلك قد مارس حقه الدستوري. خلف الكواليس مباحثات واتصالات وعمليات حسابية وإتصالات بين النواب وكلام عتب ولوم بين حلفاء الأمس سواء بين بري والإشتراكي أو بين «حزب الله» و»التيار» وحتى في صفوف التغييريين.
في عز أزمة الثنائي والمعارضة جاءت زيارة الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون لتشكل في حسابات الثنائي خطوة محورية يمكن البناء على نتيجتها. رصد الثنائي الزيارة باهتمام بالغ ورأى فيها عاملاً مساعداً في لحظة مفصلية رئاسياً. ومن ضمن المتوقع أن يحلّ الملف الرئاسي ضيفاً أساسياً في مباحثات الرئيسين بشار الأسد وميشال عون ولا شك أنّ الرئيس السوري لعب دوراً مفصلياً لا محالة في إقناع عون بالوقوف إلى جانب حليف سوريا المرشح فرنجية وإلى أن يحين الموعد لبلورة نتائج الزيارة فالثنائي أمام خيارات عدة وكلها تصب في هدف واحد وهو عدم اكتمال عملية الإنتخاب.