Site icon IMLebanon

“كارثة” على مداخل الأشرفية

كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:

تجميل مداخل منطقة في العاصمة بيروت تكتظ بالسكّان كالأشرفية، لا يقوم في عرف الهندسة على تضييق شارعها الرئيسي والتسبب بزحمة سير والإطاحة بالمواقف بهدف توسيع أرصفته وإقامة ساحة عامة ومقاعد من دون الإمعان في درس المشروع.

فالساكن أو المار في شارع مار مخايل الذي تصله من مسلكي الجمّيزة ونزلة العكّاوي، يفاجأ بالمساحات الكبيرة التي يتمّ تحويلها الى أرصفة والتي «تقضم» من الطريق التي بالكاد تتّسع لـ»موقف لحظة» على جانبيها ومرور سيّارة. أما تحويلها في ما بعد إلى منتزه عند انتهاء المشروع فهو «في غير محلّه»، اذ سيتحوّل مقصداً لرواد السهر الذين يؤمّون المكان ليلياً في شارعي الجميزة ومار مخايل، ومصدر قلق للقاطنين في ذلك الشارع في ظلّ عدم التزام أصحاب الحانات بالقوانين والأنظمة.

جمعية urban Labs التي تنفّذ المشروع على تقاطع شارع غورو بشارع باستور وشارع أرمينيا بين منطقة العكاوي ومار مخايل، حظيت بثقة البلدية التي أعطتها الموافقة للمباشرة به استناداً الى الخرائط المعروضة، إلا أنّه مع بدء التنفيذ وتظهير معالم المشروع السلبية والمموّل من جهات خارجية بالدولار النقدي وكلفته تصل إلى مئات آلاف الدولارات «الفريش»، أدرك الأهالي أنه لن يجمّل تقاطع مار مخايل – الجميزة بقدر ما سيقلقهم ويشكّل عائقاً امام إيجاد موقف لركن سياراتهم بالقرب من منازلهم، فضلاً عن زحمة الرواد في المكان وإمكانية استغلال تلك الأرصفة لوضع كراس وفتح مطاعم ومقاه امتداداً لتلك المتواجدة في مار مارمخايل. فالمنطقة لا تحمل تلك الزحمة من الرواد بسبب غياب المساحات فضلاً عن أنها ليست منطقة سياحية بقدر ما هي منطقة سكنية. إضافة الى عدم اعادة تأهيل البنى التحتية.

سخط الأهالي واعتراضهم

هذا الواقع أثار غضب الأهالي ولجان سكان مار مخايل ومار نقولا الذين تقدموا بعريضة كما بات معروفاً منذ أيام بسبب تجاهل رأيهم وعدم الإمعان في الدراسات الكافية، مطالبين بوقف المشروع لحين دراسته واعادة تصميمه بما يتماشى مع واقع المنطقة. وقال أحد سكان المنطقة لـ»نداء الوطن» لسنا ضد تجميل المنطقة ولكننا ضدّ التسبب بمزيد من الزحمة في المكان، باعتبار أنّ التجميل يقوم على التشجير وليس على التضييق. وهناك كلام عن الأخذ برأي السكان ولكن فعلياً لم يسأل أحد عن رأينا بل حاولوا اقناع البعض برأيهم من خلال تضليلهم بخرائط غير واضحة».

ونتيجة للاعتراض الذي أثير حول الموضوع والذي حظي بتأييد نائبي المنطقة غسان حاصباني وهاغوب ترزيان، أصدر محافظ بيروت قراراً بوقف العمل لتصحيح الأخطاء من خلال إجراء تعديلات على المشروع بعد الإمعان في درسه، لكن المقاول لم يمتثل وتابع العمل.

في غضون ذلك تسارعت وتيرة «القيل والقال» في القضية حتى أنه تمّ تسييسها، ونسب الإعتراض على المشروع إلى «القوات اللبنانية» من قبل بعض المعنيين بالمشروع. وحول هذا الأمر أكّد حاصباني لـ»نداء الوطن» أنّ مؤازرته لمطالب المنطقة تأتي ليس من الباب السياسي أو الحزبي بل من موقعه كممثّل لتلك المنطقة، التي قدّمت عريضة على هذا المشروع التجميلي في الظاهر والذي تشوبه أخطاء كبيرة على أرض الواقع إذ سيضيّق الخناق على أهالي المنطقة الذين ضاقوا ذرعاً من تكاثر المخالفات ومن الحانات والمقاهي التي احتلت الأرصفة ومن فقدانهم مواقفهم بالقرب من منازلهم وعدم وجود بدائل للنقل وركن السيارات، كما يشاركه الموقف نواب من جهات سياسية أخرى».

التمويل من جمعيات ومؤسسات

وحول إعطاء الموافقة من بلدية بيروت قال حاصباني: «البلدية أقرت المشروع الذي موّلته جمعيات ومؤسسات داخلية وخارجية وصممته مجموعة مهندسين ينتمون إلى Urban Lab في بيروت. في حينه كانت نية القيّمين المعلنة تخفيف عدد السيارات وزيادة مساحات المشاة، إلا أنّه تبيّن في ما بعد للخبراء وللسكان أنّ المشروع سيزيد من زحمة السير على طلعة العكاوي ومدخل شارع باستور وشارع غورو، أيّ حي الجميزة، بسبب تضييق الطريق وغياب وسائل نقل بديلة، علماً أنّ الجميزة والعكاوي ومار مخايل لا تعد طريقاً جانبياً بل مدخلاً ومخرجاً أساسياً لمنطقة الأشرفية».

وأشار إلى أنه «لا يترتب على بلدية بيروت التي شكّلت موافقتها مفاجأة لأهل المنطقة، اعتبار أنّ أي مشروع مموّل من جهة هو مشروع جيد من دون النظر بتفاصيله والقيام بواجباتها بشكل كامل وعلمي وعدم فرض المشاريع على المناطق من دون فهم خصوصياتها ومتطلباتها، خاصة أنّ أعضاء المجلس البلدي الذين يفترض أنّهم يمثلون هذه المنطقة لم يكونوا من الموقّعين على الموافقة على المشروع ولم تكن هناك شفافية حول القرارات المتعلقة به وطريقة التمويل وأفق صيانته وصيانة البنى التحتية»

أضاف: «كما أننا جميعا نعلم المشاكل التي يعاني منها المجلس البلدي لمدينة بيروت واعتراض عدد من أعضائه على طريقة عمله. ومن هنا كان هاجسنا وهاجس الناس في المنطقة حول مركزية القرار في بلدية بيروت وبُعده عن متطلباتهم، وهذا ما دفع العديد من الأهالي إلى المطالبة ببلدية مستقلة أو انتخابات للمجلس البلدي تجري ضمن دوائر صغيرة، وبدل أن تبدّد البلدية هواجسهم، قامت بمشاريع كتلك، مؤكدة مخاوفهم من طريقة عمل المجلس البلدي الذي لا يستمع فعلاً لهم ويحاول فرض المشاريع عليهم وكأنه يمننهم، بدل العمل معهم».

وقال: «نعمل مع محافظ بيروت وخبراء لتصويب الشوائب في هذا المشروع ولن نتوقف الا عندما نتأكد من أنّ هواجس أهلنا قد تمت معالجتها بالرغم من أنّ المستفيدين مادياً من المشروع يحاولون استعمال شتى وسائل التضليل والضغط لاتمامه والحصول على الأموال المرصودة له من قبل الجهات الممولة».

وفي ظلّ هذا الواقع تُطرح تساؤلات حول الجهات الممولة مثل UNHABITAT والجمعيات التي تعمل في هذا المجال وتستقطب تمويلاً كبيراً لهكذا مشاريع، والمقاولين والمهندسين المستفيدين منها ومن انفجار مرفأ بيروت، وحول آليات التأكد من الشفافية وسلامة إدارة هذه المشاريع وأثرها الفعلي على الناس والقدرة على صيانتها واستدامتها.

ومع استمرار محاولة فرض المشروع على أهل المنطقة، وعدم التوصل الى حلول مقنعة، علمت «نداء الوطن» أنّ تحركاً بدأه المعنيون للتواصل مع الجهات المانحة مباشرة لأنهم يرفضون استغلال انفجار المرفأ لاستقطاب بعض الجمعيات تمويلاً من الخارج واستخدامه بهذه الطريقة ضاربين بعرض الحائط متطلبات المنطقة الفعلية.

في ظلّ تلك المعضلة وشدّ الحبال بين الجهة المنفّذة للمشروع ومطلب السكّان المعارض، هل تصوّب البلدية الأمر وتستجيب لمطلب سكّان المنطقة أم أنّ القيمين سيستمرون على إصرارهم حتى يفقدوا مصداقيتهم تجاه الجهات الممولة بعد الكشف عن النواقص والأخطاء والأكلاف التي ستنتج عنها وتفتح ملفاتهم أمام الجهات الدولية المانحة؟