كتب طوني جبران في “المركزية”:
ليس من السهل تجاهل السيناريوهات التي زرعت المخاوف من وعلى جلسة 14 حزيران، التي عكستها الحملات الاعلامية وما رافقها من رسائل تحذيرية حملتها تسريبات لا تخلو من التهديدات على خلفية المواقف التي فرزت الكتل النيابية في هذه المرحلة الفاصلة عما طال انتظاره. وإن كان البعض يخشى تطيير الجلسة مخافة ان تقود “صندوقتها” إلى استحالة تعطيل الدورات المتتالية ان انتهت الى ما لا يرغب به أحد الطرفين. وعليه ما الذي يؤدي الى هذه الصورة السلبية؟
على مسافة أربعة أيام من الحلقة الثانية عشرة من مسلسل انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية يعترف احد ابرز المتابعين للاستحقاق الرئاسي ممن اتقنوا الاستطلاعات النيابية، أنه ليس من السهل عليه تقديم صورة واضحة للنتائج المحتملة لأي محاكاة تؤدي الى تحديد الأصوات المحتملة لكل من الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور باعتبارهما المرشحين الرسميين المعلن عنهما بكل جدية وصراحة ان اعتمد الشرط الأساسي الذي وضعه رئيس مجلس النواب نبيه بري ربطا بدعوته المجلس النيابي الى عقد جلسته الانتخابية. ومرد ذلك الى الهامش الضيق الذي ما زال قائما والذي يحول دون الفرز النهائي بينهما بارقام قليلة لا تتعدى عدد اصابع اليدين.
وإن كانت البوانتاجات الأكثر دقة قد قدمت لازعور تفوقا على فرنجية باعتراف الطرفين، فإنها لم تعطي الأول بعد القدرة على بلوغ النصف زائد واحدا بشكل مضمون وثابت، لأن مثل هذا الرقم ما زال يخضع للتشكيك والنقاش لاسباب سياسية واضحة لا تحمل اي جدل. فالموضوع يتعدى منطق العدد على الرغم من تقلص الهامش الى الحد الادنى في أعقاب الكشف عن موقف نواب اللقاء الديمقراطي أول أمس بحسم موقفه تجاه أزعور. وهو ما يشجع آخرين من بين المترددين على ان يحذوا حذوه ما لم يكن هناك من عوامل تحول دون الانتقال الى هذه المحطة بدفع اقليمي ودولي يحول دون اي تشنج قد يقود اليه مثل هذا التطور ان اعتبر “الثنائي الشيعي” ما حصل يشكل تحديا غير مسبوق وهو ما لم يعتد عليه يوما.
والاخطر يكمن، إن اعتبر “الثنائي الشيعي” أن مثل هذا الوضع سيقود الى جو من التشنج المذهبي رافعا عنه مسؤولية ما قد يحصل، طالما انه لم يعترف بان موقفه الثابت من ترشيح فرنجية وبالطريقة المعتمدة من تحدي لا سابق له، معطوفا على رفضه البحث بأي اسم لمرشح آخر واضعا أي منافس في خانة التحدي بعد توليده “كطفل انبوب” وصولا الى “استنساخه لمن سبقه”. متجاهلا ما ادى اليه موقفه المتشدد من نفور في بعض الأوساط الداخلية والخارجية وربما هو من دفع عددا من النواب للانتقال من المحطة الرمادية الى جانب ازعور، وربما هو من انتهى عمليا الى انسياق التيار الوطني الحر نحو “التقاطع” مع المعارضة على ترشيحه.
وإن كان البعض يستخف بهذه المعادلة، فهناك من بين الخصوم من نبه من خطورة هذا الموقف وما يمكن ان يؤدي اليه في حال كان نهائيا ولا يمكن التراجع عنه. فإنه لم يصل الى حد التراجع عن اي خطوة لمواجهة هذا المنطق وقد ابلغ أطرافا مختلفة في الداخل والخارج بان ما يجري لم يعد أمرا طبيعيا ولا منطقيا وعلى من بيده اي مخرج عليه التدخل لوضع حد لهذا الأمر ايا كانت الكلفة. فالادعاء بان محور الممانعة قد انتصر في المنطقة ولا بد من ترجمة ذلك في لبنان هو أمر خاطئ وغير مقبول. عدا عن اعتبار مثل هذا الموقف استدراجا لتدخل خارجي مرفوض.
وان قيل ان الجميع ارتضى التدخل الفرنسي خصوصا والخارجي عموما، ليس عليه ان ينسى ان “الثنائي الشيعي” لم يرضى منذ البداية ان يقدم على ترشيح فرنجية قبل ان ينال الرضى السعودي وهو ما ترجمه بـ “الاوراق البيض” في مواجهة النائب ميشال معوض على مدى إحدى عشرة جلسة انتخابية قبل ان يسمي مرشحه. ولما انتهى الى عدم قدرة المملكة على تغيير مواقف بعض الاطراف اللبنانيين عن سابق إرادة وتصميم ام عن عجز في اتخاذ مثل هذه الخطوة فهو ما زال حتى الامس القريب ينتظر نتائج المسعى الفرنسي الذي تلقى أكثر من ضربة من الأحزاب المعارضة قبل ان يتلقى الضربة الأكثر إيلاما نتيجة توحد المعارضة والتقاطع مع التيار الوطني الحر حول ازعور عشية الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الى باريس.
وتأسيسا على هذه التطورات، كان ما كان من تبدل في الموقف الفرنسي عبرت عنه وزير الخارجية الفرنسية كاترين كولونا اول أمس من الرياض بقولها انه “لم يعد لفرنسا مرشحا في لبنان” وان مهمة جديدة اوكلت الى نظيرها السابق جان ايف لودريان. وعدا عن ذلك فقد سجلت أكثر من خطوة معبرة بطريقة متزامنة لا يمكن تجاهلها بانتظار فهم خلفياتها. وعليه هل يمكن لأحد ان يتجاهل بعض المؤشرات ومنها:
– الصمت السعودي وتجميد حراك سفير المملكة في بيروت بعدما خطت المعارضة خطوتها بتسمية مرشحها “الجدي” و”الوازن” في مواجهة المرشح فرنجية كما اوحى السفير البخاري في جولته الأخيرة، وليقول المجلس النيابي كلمته الفصل في صندوقة الاقتراع بعد اسقاط اي فيتو طال الأخير.
– وهل يمكن الفصل بين الصمت السعودي خصوصا والخليجي عموما وصمت السفيرة الاميركية دوروتي شيا التي لم يلاحظ أحد اي حركة لها منذ التطورات الاخيرة وسط اسئلة ان كانت في بيروت ام خارجها وغياب السفيرة الفرنسية آن غريو عن الساحة الديبلوماسية لصالح التوجه الفرنسي الجديد الذي يحتمل الكثير من التفسيرات التي لم يتناولها اللبنانيون بعد أن أغرقوا تفسيراتهم بأمانيهم ورغباتهم كل على قياس نواياه.
– ضرورة انتظار ما ستنتهي اليه جولة موفدي البطريرك الراعي الى المراجع المعنية والكشف عن الرسائل التي نقلها إليهم ببعديها الداخلي والخارجي منعا للوصول الى ما لا يحمد عقباه وخصوصا ان صح ان امام المبادرة فرصة تنتهي قبل الأربعاء المقبل.
– لا يمكن التقليل من اهمية الخطوة الاخيرة التي أقدم عليها الوزير السابق جهاد أزعور بتعليق مهامه مؤقتا في صندوق النقد الدولي التزاما بمقتضيات العمل لديه ومنعا لأي ملاحظة يمكن ان تشكل خرقا لها. وان صحت بعض المعلومات فإن الخطوة تمت هندستها مع من يتحكم بصندوق النقد دوليا وخليجيا فإن أمورا عدة ستتغير.
وعليه هل من رابط بين هذه الملاحظات الأربعة، وما توحي به من مؤشرات لا بد من التوقف عندها لفهم ما يمكن ان تحمله الأيام المقبلة الفاصلة عن الاربعاء الكبير من تطورات غامضة. ولذلك يبدو واضحا انه وعند الغوص في الكثير مما ستدفع اليه هذه الخطوات مجتمعة سيكون علينا ترقب خطوات عاجلة تغير الكثير مما هو مرتقب من تطورات في الايام القليلة المتبقية الفاصلة عن الجلسة المقبلة. وان كانت زيارة لودريان ان حصلت قبل هذا الأربعاء لا يمكنها ان تبدل في المواقف بطريقة ايجابية وحاسمة، فإن ذلك يعني ان الكواليس الديبلوماسية ستكون حافلة بالاتصالات ومعها الإقتراحات العاجلة التي ستكون مدار بحث بين ساعة وأخرى فلننتظر طالما ان هناك إجماعا بأن هذا الموعد لن يمر كما غيره وأن ما قبل 14 حزيران سيكون غير ما بعده وسط أكثر من سيناريو وليس من بينها ما يدعو الى القلق ما لم تأتي الايام المقبلة بمفاجآت اعتاد اللبنانيون توقعها في مثل هذه المحطات التاريخية.