IMLebanon

أزعور إن حكى… آتٍ ليكون رئيس مَهمة إنقاذ واستعادة الثقة بلبنان

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:

يبدو المشهد السياسي في بيروت أشبه بـ «قرْع طبولِ» مواجهةٍ لا هوادة فيها في ملاقاة ما ينبغي أن يكون «تمريناً ديموقراطياً» على انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة البرلمان المقرَّرة يوم الأربعاء المقبل.

فمع دخول البلاد شغوراً رئاسياً منذ نحو ثمانية أشهر، تنعقد الجلسة الـ12 لمجلس النواب في أجواء سياسية محمومة من التهويل والتخوين والتهديد، وكأن في الأمر شحذ سكاكين لا احتكاماً إلى صندوقة الاقتراع.

يتنافس في جلسة الانتخاب، التي لن تصنع رئيساً بطبيعة الحال، مرشحان: «طبيعي» هو سليمان فرنجية، و«إنقاذي» هو جهاد أزعور، وسط حمى البوانتاجات ذات المغزى الكبير في انتخاباتٍ تجري فوق هشيم وطنٍ متهالك.

يطلّ فرنجية اليوم من معقله في زعرتا (شمال لبنان) في خطاب في الذكرى 45 عاماً لاغتيال عائلته إبان الحرب، وسط ترقّبٍ ما فوق عادي لكلامٍ سيقوله عن المعركة واتجاهاتها، المضي في غمارها أو العزوف (الذي يُروّج له البعض) لكسْر المأزق.

المأزق أن «الثنائي الشيعي»، أي رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» يمضي في التعاطي مع الاستحقاق الوطني على طريقة «سليمان فرنجية أو لا أحد»، وتالياً جعله دعم مجموعةٍ من الكتل والنواب لأزعور وكأنه مؤامرة لـ«عزل الشيعة».

ماذا عن أزعور إن حكى، وهو الملتزم الصمت منذ البوح باسمه كمرشحٍ من خارج النادي التقليدي ومتاريسه، والقادر بعلمه وتجربته وثقافته وعلاقاته وقناعاته على إنقاذ لبنان بـ«خريطة طريق» يدركها تماماً؟

من يلتقي مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور مصادفةً، أو يزوره لأمرِ ما أو حتى يهاتفه، يدرك أن رجل العلم، سليل العائلة السياسية التي لا تشبه إلا لبنان، البارع في تجربته وعلاقاته والأمين على قناعاته ودرّتها «العيش الواحد»، هو غير جهاد أزعور الذي ترشقه بروباغندا ماكينات سياسية وإعلامية باتهامات وأوصاف لا محلّ لها من الإعراب، ويَجري تحميله أخطاء وخطايا لا ناقة له فيها ولا جمل.

ومَن تسنّى لهم التواصل مع أزعور في الساعات الأخيرة، خرجوا باستنتاجٍ بأن ثمة اقتناعاً لديه بأن أي تعطيل لجلسة الانتخاب الأربعاء المقبل، ستعني عودة للمسار الخارجي الذي يرتاح الفريق الآخَر أكثر له من المسار الداخلي في ظل توازناته الحالية، وأن استراتيجية فرنجية ترتكز حتى الساعة على تحسين الرقم الذي سيناله وبذلك يَظهر أنه مازالت لديه القدرة على الجمْع حوله ليعود وينطلق من جديد في السباق الرئاسي.

وإذ استشفّ هؤلاء أن ثمة ضبابية تلفّ جلسة الأربعاء، بحيث من الصعب الغرق في تكهنات أو التعاطي مع نهائيات، لم يَفْهموا أن ثمة حاجة لقراءة تعليق عمل أزعور في صندوق النقد الدولي على أنه في سياق خطوة محدَّدة ربْطاً بالاستحقاق الرئاسي بل هو أمر طبيعي ومن ضمن آلية طبيعية أكثر منه خياراً، أما إذا كانت ستحصل خطوة ثانية في الطريق إلى 14 الجاري أو بعده، فهذا سيبقى رهناً بتطور الأمور.

«الحرب النفسية»

وأثار هؤلاء مع أزعور كيف تحوّلت جلسة الأربعاء، ما يشبه المكاسرة الطاحنة التي تُستخدم فيها «الحرب النفسية» ولغة التهديد التي تساءل معها البعض هل يمكن أن يجعل هذا المناخ الوزير السابق للمال «يعدّ للعشرة» رئاسياً. ولكنهم خرجوا بانطباعٍ بأن ثمة قناعة لدى أزعور، بأنه يجب ألا تكون هناك أي مقاربة تقوم على التحدي، وأن الانتخابات الرئاسية عبارة عن منافسة ديموقرطية وشريفة يفرضها الدستور وآليات تداوُل السلطة على المستوى الرئاسي كل 6 سنوات، وتالياً لا ضرورة لأن تتحول أكثر من تنافُس وفق قواعد اللعبة الديموقراطية والبرلمانية مع حماوة طبيعية وفي وقتها تتصل بظروف المعركة ومقتضياتها لا أكثر.

واستخلص مَن تواصلوا مع أزعور أن مشروعه لا يرتكز على الاصطفاف أو المواجهة، بل على الانفتاح والواقعية لمواجهة التحديات الجمّة، وأنه رجل أثبت من خلال كل مسيرته وأدائه في الأشهر الماضية أنه منفتح على الجميع ولا يضع لنفسه خطوطاً حمر لا في التواصل مع الآخَرين ولا في الحوار حول أي عنوان أو ملف.

إنقاذ اقتصادي ويسمع هؤلاء أكثر من مرة تأكيداً من أزعور أنه في تجربته رجل منفتح، ومعتدل، وأن لبنان يحتاج في هذا الظرف إلى إنقاذ اقتصادي وإلى أن يستعيد الخارج ثقته به، وهذا يتطلب رجلاً يمكن أن يُقْنِع الداخل كما المجتمعيْن العربي والدولي بأن لديه مشروعاً ورؤية وقادر على أن ينجح بناء على تجربةٍ، وليس على فقط أن لديه ورقة، ولا سيما أن الزمن تحوّل وصار بإمكان ChatGPT أن يُعِدَّ لمَن يريد ورقة.

ويشعر مَن يستمع إلى أزعور بالأهمية التي يعلّقها على إعادة العلاقات مع العالم العربي ولا سيما دول الخليج بعد ابتعادٍ عنها كان مُكْلِفاً على لبنان، وأنه يُراهِن على قدرته على معاودة بناء الثقة مع العمق العربي لـ «بلاد الأرز» بناءً على علاقاته المميّزة مع دول المنطقة والتي يمكن أن تشكل طريقاً مختصرة لمساعدة لبنان والتي تتطلب أيضاً مساراً داخلياً مزدوجاً أولاً لإعادة ثقة المحيط به، وبالتوازي فهْم العالم والتحوّلات التي تشهدها المنطقة التي يتعيّن أن يكون الوطنُ الصغير على نبْضها، فيعالج القضايا التي تعنيه وفق المتغيّرات الكبرى وأبعادها المتعددة الاتجاه، ومن هذه القضايا ملف النزوح السوري.

«مثلث المواصفات»

ويَرسم مَن يُجالسون أزعور مثلثاً من المواصفات التي يتعيّن أن يتحلى بها الرئيس العتيد تنطلق من أن يكون قادراً على التواصل، ولديه معرفة بملفات المنطقة، وصاحب رصيد يخوّله استرداد الثقة بلبنان سريعاً، وهذه يجب أن تكون نقطة الانطلاق. ويسمعون من الوزير السابق أنه رجل مستقلّ ومنفتح وعروبي بتاريخه ونشأته، ومنهجيّ وعمليّ وغير صِدامي، مع درجة عالية من الاقتناع بأن الشراكة هي المدخل الأساسي لحل المشكلات، وأن اتفاق الطائف هو أفضل مساحة مشتركة والقاعدة الحقيقية للعيش معاً.

وإذ يستخلص هؤلاء أن المطلوب رئيس يكون رجل قيادة وتنفيذ، وهذا ما يجمعه أزعور في صفاته انطلاقاً من تجربته ونشأته واقتناعاته، يلفتهم ما يسمعونه من تأكيد أن ترشيح أزعور من بعض القوى لا يعني تبنّي أجندة غيره، مع توقُّفٍ عند ما قد يكون سابقة تحصل في لبنان بعد الحرب الأهلية إذ تَشَكّل لبنانياً ومن دون أي تدخل خارجي تَوافُق بين مجموعة من الأحزاب والتيارات والشخصيات العابرة للطوائف ومن مقاربات مختلفة حول مرشّحٍ بعدما اعتبروه الأفضل لهذه المرحلة.

ولا يتوانى هؤلاء عن طرْح كيف استدرج الفريق الآخَر الاستحقاق الرئاسي وترشيح أزعور بوصْفه عنواناً للوصاية وصندوق النقد ما يعني ضمناً أنه لم ينجح في تبديد هواجس مَن لا يؤيّدونه.

ويستخلصون ممّا سمعوه أن الفريق الآخَر يعرف ما هي قناعات أزعور الذي كان ومازال على تواصل وحوار معه، وأن هذا الفريق يدرك أن الانفتاحَ ليس مجرّد صفة بل ممارسة اعتمدَها وتقوم على مدّ اليد للجميع، وأن الوزير السابق للمال ليس مطروحاً أو يتطلّع للرئاسة لأغراض خاصة بل ليكون رئيس مَهمة لا تنجح إلا بتعاونٍ مع الجميع يتعيّن أن يكون مبنياً على فهْم الآخر، والثقة، وتمسُّكٍ بقواعد الحوار والتلاقي وعدم وجود أي التباساتٍ أو نقاط غير واضحة.

رجل فعل وليس ردّ فعل

وبحسب هؤلاء، لا يتوقف أزعور كثيراً عند الحماوة الرئاسية التي اشتدّت في الساعات الماضية، فشدّ العصَب طبيعي ومن ضمن اللعبة ولا يجعله يبدّل في طريقة تعاطيه التي تقوم على الانفتاح واحترام الآخر والتعاون مع الجميع، وأنه مهما كان الهجوم صعباً فهو لن يغيّر شيئاً في اقتناعاته التي يبْنيها وفق مقاربته وليس بناءً على ردّ فعل الطرف الآخَر وذلك على قاعدة أنه رجل فعل وليس ردّ فعل.

ويستشعر هؤلاء بأن أزعور لا يُسقِط من مقاربته أن ثمة هواجس لدى الفريق الآخَر في ضوء تبلْور مسارٍ لم يكن متوقّعاً وأن ذلك قد يحتاج إلى طمأنة وتوضيح وشرْح وحتى فهْم الهواجس والتعاطي معها بجدية.

وحين تثار أمام أزعور الاحتمالات في ما خص مآل الجلسة المقبلة، من تطيير نصاب دورتها الثانية ونيْله في الأولى 65 صوتاً ما يجعله رئيساً مع وقف التنفيذ ولكن من دون أي صوت شيعي، يسمع زواره أن النتائج تُعرف في وقتها بعيداً من أي تكهنات وتحليلات، وأن من المبكر الكلام قبل فتْح صندوقة الاقتراع وقراءة نتائجها، مع تذكير بأن الرئيس نبيه بري في 2016 لم يَنتخب الرئيس ميشال عون ولكنه عاد وهنّأه واعتبره رئيساً.

ويستوقف مَن يستمعون إلى أزعور تشديداً على أنه ليس مرشحاً ضد الثنائي (حزب الله والرئيس بري) أو ضد أحد بل لهدف واحد هو الإنقاذ، مع تأكيد أنه لم يعلن يوماً أنه مرشح لضرب الميثاقية بل للتعاون، وأنه في منافسةٍ يتمنى أن تكون شريفة وفيها ربح وخسارة في النهاية، وأن لا مشكلة لديه في عدم الفوز كما أن لا حَرَج لديه في الربح، وأن أي فوز يجب ألا يُقرأ على أنه كسْر لمكّون سياسي أساسي في لبنان.

احترام كبير لبري

ويسمع هؤلاء اقتناعاً راسخاً بأن أي رئيس لا يمكن أن ينجح إلا بتعاون الجميع، وأن ثمة احتراماً كبيراً يكنّه أزعور لبري الذي تربطه به علاقة تاريخية وشخصية وعائلية مميزة، ما يجعل التعاون معه والتنسيق على أعلى درجة أمراً بدهياً تُمْليه المسؤولية والاقتناعات، وأن هناك أيضاً كل الاحترام في التعاطي مع حزب الله، وتالياً لا مكان لمقارباتٍ تتحدث عن تحدٍّ وعزْل وإقصاء.

وحين يُسأل عن النواب المتردّدين أو الرماديين، يَستنتج المستفسرون أن لبنان يمرّ في ظرفٍ استثنائي وبأزمة لم يسبق أن مرّ بها في تاريخه على الصعيد المالي والاقتصادي وتَراجُع الثقة به والخوف على المستقبل، وأن البلاد تخوض حرب استعادة الثقة والسيادة الاقتصادية والقدرة على النهوض، مع تحسُّرٍ على ما آليه إليه واقع لبنان الذي كان دولة رائدة في المنطقة وتمثّل حالة مميّزة في محيطها، والذي يتعيّن أن يستعيد مكانته ويعاود انفتاحه على الدول التي لطالما شكّلت حزام أمان له وأن يسترّد ثقة الخارج بأنه أهْل للمساعدة.

المشروع والمسيرة والتجربة

ويستنتج سامعو أزعور أن على النواب أن يحددوا خياراتهم بناء على مَن لديه القدرة والأهلية لقيادة مثل هذه المعركة، فالمسألة ليس قضية علاقات وصداقات بل ينبغي أن يحكمها معيارٌ يرتكز على المشروع والمسيرة والتجربة.

وحين تُثار أمام أزعور أنه قد يكون مجرّد رئيس تقني، يسمع محدّثوه أنه من موقعه (في صندوق النقد) يتعاطى مع أكثر من 40 دولة في المنطقة، من دول الخليج إلى إيران وباكستان ومصر والمغرب ودول آسيا الوسطى والقوقاز، وأن لديه تواصلاً مع قادة دول ومسؤولين كبار ما يجعل شاغِل مثل هذا الموقع أكثر من رجل تقني، علماً أن التقنية مفيدة لفهْم الملفات، ولصقل روح القيادة وإيجاد التماس مع العصر وتحوّلاته على مختلف المستويات.

ولا يتفاجأ مَن ينصت إلى أزعور باقتناعه بأن الرئيس تفرضه المرحلة التي تتطلب في لبنان حالياً الانفتاح واستعادة الثقة ومعرفةً في كيفية إصلاح اقتصادات منهَكة، والتعاطي بلغة العقل وليس القوة أو الجزمة، ومن هنا يُستشف من مقاربته رسالة للنواب المترددين بأنكم انتُخبتم لتؤمّنوا فرصة للبنان ليَخرج من الأزمة، وأن عليكم أن تنظروا أين مصلحة البلد الذي يقف على مفترق أساسي وأن الخيار تالياً يجب أن يكون على قدر التحدي أي أن يضمن وضْع لبنان على الطريق الصحيح ما يستوجب اختيار الشخص المناسب بناءً على معرفته وتجربته وقدرته على تسخير علاقاته لمصلحة لبنان.

وعندما يطرح محدّثو أزعور على مسامعه مسألة تعيين فرنسا وزير الخارجية السابق جان إيف – لودريان موفداً شخصياً للرئيس إيمانويل ماكرون لمتابعة الملف الرئاسي في موازاة الاهتمام العربي والدولي، يَسمعون أن هناك اهتماماً خارجياً بمساعدة لبنان على الخروج من أزمته ولكن الخارج لا يمكنه أن يقوم بهذا الدور إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، وأن وجودَ اهتمام من دولة مثل فرنسا وتعيينها شخصية من هذا الوزن لمواكبة الأزمة في لبنان أمر مهمّ للبلد، مع ضرورة أن يَفهم اللبنانيون أن الاهتمام الدولي والخليجي عقلاني وليس عاطفياً وأبعد من السياسة والإخوة، وبات يرتكز على الإصلاح، وهو ما أثبته التعاطي مع دول أخرى في إشارةٍ واضحة إلى تبدُّل معايير الدعم ومرتكزاته.

«خريطة طريق»

لا مكان لدى أزعور، بحسب سامعيه، لمَن يروّجون أن داعمي ترشيحه يستخدمونه فقط لإقصاء فرنجية وليس كمرشّح للوصول، ويستخلصون أنه لم يأتِ إلى السباق بالتزاماتٍ مع أحد بل وفق مقاربة تَلاقت حولها مجموعةٌ من القوى السياسية التي لا تلتقي على عناوين أخرى، وهذا جيد، كما تلاقى حولها نواب مستقلون وهذا أفضل، أي أن هذا الخيار لاقى مروحة واسعة من الدعم، وأنه مستعدّ لمَهمة إنقاذ وليس في وارد خدمة أجندة أي طرف، وإذا توافرتْ الفرصة ليضع تجربته وطاقاته في مصلحة لبنان، فليكن، وسيعمل تالياً بكل ما يملك من عزم وعلاقات على إنجاح البلد وإنقاذه، وبحال وقع الاختيار على شخص آخَر فلا مشكلة.

ويستشعر مَن يتواصلون مع أزعور، إصراراً على تأكيد أنه لن يكون رئيساً لفريق بل لكل لبنان، وأنه لم يلتزم ببرامج أي فريق أو أجندته، بل بما يعتبره «خريطة طريق» يملكها لإخراج البلد من محنته، وأنه يركّز على أن تتم الانتخابات وفق الدستور، وكيفية طمأنة الآخَرين الذين يعتبرون أن هذه معركة وليس تنافُساً ديموقراطياً.

ويلمس محدّثو أزعور إصراره على اعتبار أن ثمة حاجة لتُفْضي الانتخابات، ليس فقط إلى النهوض بل أيضاً إلى تسريع عودة لبنان إلى العالم العربي الذي انقطع عنه منذ سنوات، وطي صفحة وفتْح صفحة جديدة في هذا الإطار، باعتبار أن العمق العربي هو الأساس للبنان ولم نعرف قيمته إلا بعدما خسرناه، وأن هذا ينبغي أن يكون أولوية الأولويات لأي رئيس.