كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يُشارك النواب في الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، ولديهم اقتناع بأنها ستكون كسابقاتها من الجلسات التي انتهت إلى تعطيل انتخابه، سواء التأم البرلمان في جلسة يتيمة أو في جلستين، لأن المنازلة التي تغلب عليها حماوة غير مسبوقة ستبقى محصورة بمن يتقدّم على الآخر في حصوله على أكثرية نيابية غير مقررة؛ مرشح محور الممانعة زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، أو منافسه الوزير السابق جهاد أزعور، الذي تقاطعت المعارضة على ترشيحه مع «التيار الوطني الحر»، الذي يسعى رئيسه النائب جبران باسيل لإقناع النواب المتردّدين في تكتل «لبنان القوي» بعدم خروجهم عن تأييدهم لأزعور.
لكن التنافس بين أزعور وفرنجية على كسب أصوات النواب يصطدم برغبة فريق من النواب في التموضع انتخابياً خارج الاصطفاف السياسي، في محاولة لتشكيل قوة ثالثة يمكن أن تقترع بورقة بيضاء أو مرمّزة، لاعتقاده أن وقوفه على الحياد سيقطع الطريق على المرشّحَيْن في حصول أي منهما على تأييد الغالبية النيابية المطلقة، أي 65 صوتاً على الأقل في دورة الانتخاب الأولى، كون الثانية متروكة للقضاء والقدر، مع ترجيح تعطيل انعقادها.
فالقوة الثالثة، التي تضم خليطاً من النواب المنتمين إلى كتل نيابية وتغييرية ومستقلين، ارتأت من موقع الاختلاف أن تخوض المعركة الرئاسية من خارج الاصطفاف السياسي، ما يعني أن تحالفها يبقى تحت سقف الائتلاف المؤقت، الذي سرعان ما يتبدّل فور الانتقال، في وقت لاحق، للبحث في مرشح توافقي، مع وصول الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان، وزير الخارجية السابق، جان إيف لودريان، في محاولة لإنقاذ المبادرة الفرنسية، إنما هذه المرة بتوجّه جديد يقوم على طرح مبادرة جديدة، آخذاً بعين الاعتبار الأسباب الكامنة وراء رفضها من أكثرية القوى المسيحية.
لذلك، فإن المنازلة النيابية التي تدور بين أزعور وفرنجية، وللمرة الأولى في الجلسة، لن تحمل مفاجأة، باستثناء أنها محصورة بمن يتقدم على الآخر، وإن كانت المعارضة ونواب من التغييرين بتقاطعهم مع «التيار الوطني الحر» يؤكدون أن أزعور سيتقدم على فرنجية بحصوله على تأييد نيابي، ربما يتجاوز 57 نائباً، وأن عدد مؤيديه يمكن أن يرتفع بانضمام المترددين من «التيار الوطني» إليهم، فيما أعلن محور الممانعة التعبئة العامة لمنعه من أن يسجل تقدّماً على فرنجية.
لكن يبدو أن محور الممانعة يخوض معركته مستخدماً ما لديه من أسلحة ثقيلة بالمفهوم السياسي للكلمة، للتأثير على النواب المستقلين من مؤيدي أزعور، كما تقول مصادر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، تحسُّباً لتوسيع مروحة تأييده من نواب آخرين، وإن كنا نعلم جيداً أن أكثر من نائب في القوة الثالثة كان يميل إلى تأييد فرنجية، الذي يتواصل معهم بواسطة الوزير السابق يوسف فنيانوس، الذي يتولى في الوقت عينه التنسيق مع الثنائي الشيعي.
فمحور الممانعة، بصرف النظر عن انسداد الأفق أمام انتخاب الرئيس، لا يزال يتمسك بترشيح فرنجية، متهماً، كما يقول مصدر قيادي فيه لـ«الشرق الأوسط»، المعارضة بأنها أجمعت على تأييد أزعور لقطع الطريق على انتخاب مرشحه، وأن تقاطعها مع «التيار الوطني» ما هو إلا تفاهم مرحلي لن يستمر طويلاً في حال دخولها في حوار لاختيار المرشح البديل له، وهذا ما يركز عليه باسيل في إطلالاته الإعلامية، في محاولة لاستيعاب الحملة التي تستهدفه من جانب الثنائي الشيعي، ظناً منه أن البحث في مرحلة ما بعد تعذّر إيصال أزعور إلى الرئاسة الأولى سيؤدي إلى معاودة فتح قنوات الاتصال.
وفي المقابل، تلفت مصادر في المعارضة إلى أن تمسكها بترشيح أزعور يبقى قائماً حتى إشعار آخر، طالما أن محور الممانعة لم يقتنع بأن الطريق أمام انتخاب فرنجية ليست سالكة اليوم ولا غداً، وتؤكد أن من يراهن على استبعاده سيكتشف أن رهانه ليس في محله ما لم يقرر الثنائي الشيعي تخليه عن فرنجية، لأن القوى الداعمة له لن تتخلى مجاناً عنه، وتشترط سحب اسمه من التداول كمرشح يشكل تحدّياً للفريق المناوئ له.
لذلك، فإن تعداد الأصوات في الجلسة، كما تقول مصادر نيابية، لن يسمح لفرنجية، مهما كانت الضغوط، بأن يتقدم على أزعور الذي لديه القدرة العددية لإبعاده من السباق على رئاسة الجمهورية، من دون أن يعني أن منافسه يبقى في عداد لائحة المرشحين في جلسة الانتخاب المقبلة التي ستشهد إعادة خلط الأوراق وتبدّل الحسابات الرئاسية.
وعليه، فإن الاستحقاق الرئاسي مع وصول لودريان إلى بيروت سيدخل في مرحلة سياسية جديدة لن يكون في مقدور باريس أن تعيد عقارب ساعتها إلى الوراء إذا ما توخت من لقاءاته بالقيادات السياسية تعويم مبادرتها الرئاسية، على قاعدة أن فرنجية يبقى المرشح الأقرب والأسهل لإنهاء الشغور الرئاسي.
وفي هذا السياق، يقول مصدر دبلوماسي غربي إن تكليف باريس بالملف الرئاسي بتفويض أميركي وبعدم ممانعة من الدول الأخرى الأعضاء في اللجنة الخماسية، لم يعد قائماً على بياض، لأنها اصطدمت برفض تتزعمه غالبية القوى المسيحية، وهذا ما يدعوها لمراجعة حساباتها بحثاً عن المخرج الذي يطوي صفحة استمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية.