كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
كما كان متوقّعاً، انتهت المنازلة النيابية في الجولة الـ12 من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بلا رئيس، ووفق الآلية المرسومة لها بـ»تطيير» نصاب الدورة الثانية، بعدما جرت الدورة الأولى بنصاب كامل شهدته القاعة العامة للبرلمان للمرّة الأولى، أي بحضور 128 نائباً، ولم يُسجّل إعتذار أحد، حتى ولو كان الأمر متاحاً ومباحاً دستورياً وقانونياً لأسباب قد تكون صحّية لدى البعض، أو بداعي السفر مثلاً لدى البعض الآخر.
إلا أنّ طبيعة الجلسة والتحضيرات التي سبقتها دفعت الجميع إلى حشد القوى وتأمين الحضور الكامل من أجل عرض القوة والقدرة على جمع الأصوات واختبار النوايا والإتفاقات من جهة، ومن أجل «تطيير» النصاب، من جهة ثانية.
وبمعزل عن القراءات وتحليلات الأرقام التي ظهرت في الجلسة لصالح كلّ من المرشّحين الأساسيين الوزيرين السابقين جهاد أزعور وسليمان فرنجية، فإنّ ما يستدعي التوقّف عنده هو أنّ هناك نواباً من المستقلّين، وبعض الكتل غير الثنائي «أمل» و»حزب الله»، قد ساهموا في تعطيل النصاب في الدورة الثانية حيث وصل عدد الحضور إلى 81 نائباً.
وهذه الخطوة تدل على أنّ هناك ما يُشبه الاقتناع لدى البعض بأنّ الموعد الحقيقي والجدّي لانتخاب الرئيس لم يحن بعد، كما يؤكد ما قاله مصدر نيابي لـ»نداء الوطن» من أنّ نتيجة الجلسة برهنت أن الإستحقاق الرئاسي لم يعد شأناً داخلياً، وأنّنا قاصرون عن القيام بذلك وبتنا ننتظرالخارج لكي يُنجز هذا الإستحقاق الوطني المهم.
وبعيداً عن التصريحات والمواقف التي أعلنها النواب من مختلف الأطراف والقوى، فإن وقائع الجلسة سجّلت بعد انتهاء عملية الإقتراع وفرز الأصوات النتائج الآتية: جهاد أزعور (59 صوتاً)، سليمان فرنجية (51 صوتاً)، زياد بارود (6 أصوات)، جوزاف عون (صوت واحد)، لبنان الجديد (8 أصوات)، وورقة بيضاء وصوت باسم المتعهّد جهاد العرب، إعتبر ملغى.
سجال حول الأرقام
وبعد احتساب العدد، تبيّن أن المجموع هو 127 صوتاً ولا يتطابق مع عدد المقترعين الـ128، وقبل أن يرفع رئيس المجلس نبيه بري الجلسة بسبب فقدان النصاب، دار سجال في ضرورة إعادة الاحتساب، وطالب عدد من النواب بإعادة التصويت، كما طالب البعض الآخر بإعادة فرز الأصوات لحسم الجدل، إلا أنّ بري رفض الأمر، وقال إنّ «ورقة لا تقدّم ولا تؤخّر في النتيجة»، وأوضح أنّ زياد بارود نال 7 أصوات لا 6، بينما قال النائب نعمة إفرام إن الورقة الضائعة كانت من نصيب «لبنان الجديد»، ليتبيّن لاحقاً أن هناك مغلّفاً فارغاً من أي ورقة، وقد أبلغ الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر ذلك لنوّاب من مختلف الكتل في اجتماع في مكتبه بعد انتهاء الجلسة واختتام محضرها.
سجّلت الجلسة مواقف واضحة لبعض النواب لجهة تصويتهم، كما فعل النائب إيهاب مطر الذي أعلن أنّه هو من صوّت لصالح قائد الجيش جوزاف عون، وكذلك فعل النواب الستة الذين صوّتوا للوزيرالسابق زياد بارود من خلال بيان موقّع بأسمائهم، وهم: أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، شربل مسعد، الياس جرادة، سينتيا زرازير وحليمة قعقور.
وفي حين كثرت التكهّنات حول أحجية الورقة البيضاء وورقة جهاد العرب، إلا أنّ الأحجية الكبرى كانت بعدد الأصوات التي نالها فرنجية وعدم وصول أزعور إلى الرقم 60.
قد تكون تردّدات نتائج هذه الجلسة كثيرة وستبدأ بالظهور تباعاً خلال الأيام والأسابيع المقبلة، ولكن المؤكد من هذه النتائج هو أنّ هناك تعهّدات والتزامات كثيرة أعطيت هنا وهناك توقّعات وتقديرات رُسمت ولم تكن في محلّها. فماذا عن نوّاب «التغيير» الذين أصبحوا مجموعات؟ وكيف كان تصويت «اللقاء النيابي الوطني» الذي يضمّ تكتل «الإعتدال الوطني» وبعض النواب المستقلّين، الذين وصل عددهم إلى 10 وأحياناً 11 بينما عبارة «لبنان الجديد» حصدت 8 أصوات فقط؟
ومن النتائج أيضاً أنه لن تكون هناك جلسة رقم 13 لانتخاب الرئيس قبل إنجاز التفاهم والتوافق الوطني العام الذي ألمح إليه رئيس المجلس في البيان الذي أصدره بعد الجلسة مباشرة، ودعا فيه إلى «حوار من دون شروط لا يلغي حقّ أحد في الترشّح، حوار تتقاطع فيه إرادات الجميع حول رؤية مشتركة لكيفية إنجاز هذا الإستحقاق من دون إقصاء أو عزل أو تحدّ أو تخوين، حوار تحت سقف الدستور يحافظ على الميثاقية والشراكة».
الحوار ثمّ الحوار
وقال: «بعد جلسة اليوم، كفى رمياً بكرة المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك في إطالة أمد الفراغ، ولنعترف جميعاً أنّ بالإمعان بهذا السلوك والدوران في هذه الحلقة المفرغة وانتهاج سياسة الإنكار لن نصل إلى النتيجة المرجوّة التي يتطلّع إليها اللبنانيون والأشقّاء العرب والأصدقاء في كل أنحاء العالم، الذين ينتظرون منّا أداء وسلوكاً يليقان بلبنان وبمستوى التحديات والمخاطر التي تهدّده، وأن بداية البدايات لذلك هي الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك لن يتحقّق إلّا بالتوافق وبسلوك طريق الحوار… ثمّ الحوار … ثمّ الحوار».
وكانت الجلسة افتتحت بالوقوف دقيقة صمت على روح النائب الراحل الياس سابا، بعدما تبيّن أن لا معتذرين عن الحضور، ثم تليت المادتان 49 و75 من الدستور والمتعلّقتان بانتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك المادتان 111 و112 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
في الخلاصة، إنتهت الجلسة وبدأت الأنظار تتّجه نحو ما ستحمله الأيام المقبلة، خصوصاً بعد اللقاء المرتقب في فرنسا غداً بين الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومن ثم الزيارة المنتظرة للموفد الرئاسي الفرنسي إلى بيروت الأسبوع المقبل جان إيف لودريان.
من «طيّر» النصاب؟
– مع انطلاق الجلسة، تمنّى النائب ملحم خلف على رئيس المجلس نبيه بري «إبقاء الجلسات الإنتخابية مفتوحة ومتتالية حتى انتخاب رئيس، مذكّراً باعتصامه في مجلس النوّاب مع زميلته نجاة صليبا منذ 147 يوماً لهذه الغاية»، لكن برّي ردّ قائلاً: «ممنوع مناقشة أي أمر، خلص يا ملحم».
– شوهد الرئيس نبيه بري وهو يُسجّل خلال عملية فرز الأصوات النتائج التي كان يحصل عليها المرشح سليمان فرنجية فقط.
– حصل نوع من السجال بين نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب أنطوان حبشي بعدما غادر بري القاعة ورفع الجلسة حول طريقة إدارة العملية الإنتخابية، فبادر بو صعب حبشي بالقول:» أنا مثلي مثلك هون، وموجود بالقاعة، وما فيك تعلّي صوتك عليي». وقد بادر النائب جورج عدوان إلى التدخل لتهدئة الوضع قبل أن يتطوّر.
– لوحظت مشاركة نوّاب من مختلف الكتل في الإشراف على عملية الفرز.
– حاول نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الهمس لدى الرئيس نبيه بري بوجود عدد من النواب أمام صندوقة الفرز، خصوصاً عندما وصل النائب سليم الصايغ، فردّ برّي بالقول «ما مشكلة يكونوا الكل».
– تبيّن أنّ من ساهم في «تطيير» النصاب، هم إضافة إلى نوّاب الثنائي «أمل» و»حزب الله»، نوّاب تكتل «التوافق الوطني» الذي يضمّ النوّاب: فيصل كرامي، محمد يحيى، حسن مراد، عدنان طرابلسي وطه ناجي، ونوّاب التكتل «الوطني المستقل» الذي يضمّ النواب: طوني فرنجية، فريد الخازن، ملحم طوق وميشال المرّ، وبعض النواب المستقلين والنوّاب الأرمن.