كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
77 مصدراً للتلوث تنتشر على طول الشاطئ اللبناني. المجارير التي تصبّ المياه الملوثة مباشرة على الشواطئ، والمصانع التي ترمي مخلّفاتها في الأنهر قبل أن تنتهي في البحر، والمكبات العشوائية في المدن الرئيسية التي تتسرّب منها العصارة نحو البحر أيضاً. أمام هذا المشهد، تحوّلت خريطة الشاطئ إلى ما يشبه «البازل»: أماكن صالحة للسّباحة، وأخرى غير صالحة حتى للوقوف بجانبها بسبب نسبة التلوث العالية.
من 24 شاطئاً تصلح للسّباحة العام الماضي، تدنّى العدد إلى 22 هذه السنة مع تزايد نسبة التلوث. وفيما كان 65% من مساحة الشاطئ صالحة للسباحة في عام 2022، تقلّصت هذه المساحة إلى 60%.
التقرير السّنوي حول «الواقع البيئي للشاطئ اللبناني» الذي يعدّه مركز علوم البحار في المجلس الوطني للبحوث العلميّة، أشار إلى تراجع عدد الشواطئ المصنّفة «آمنة للسّباحة» من حيث «نوعية المياه البيولوجية، وما تحتويه من بكتيريا برازية ناتجة عن الأنشطة البشرية الملوّثة للشواطئ، من دون الدخول في التركيبة الكيميائية للمياه». أدّى ذلك إلى خروج مواقع بشكل تام من التصنيف الآمن، و«هبوطها بشكل حاد» نحو خانة «غير المأمونة»، مثل «مرفأ الصّيادين في عين المريسة في بيروت، والشاطئ الشعبي في كلّ من الغازية والصرفند». وفي المقابل سجّلت بعض النقاط تحسناً عما كانت عليه العام الماضي، إذ ارتفع تصنيف شاطئ البحصة في البترون من «حذر» إلى «جيّد»، وشاطئ المطاعم في صور من «ملوّث» إلى «حذر».
التقرير السنوي الذي أُعلن عنه أمس استند إلى مسوحات أُجريت هذا العام في 37 موقعاً بحرياً ثابتاً، من أقصى الشّمال في عكار إلى الناقورة جنوباً، يراقبها مركز علوم البحار بغية إعطاء صورة عامة عن حال الشاطئ.
وأظهرت النتائج وجود 22 منطقة بحرية صالحة للسباحة بأمان، موزّعة على طول الشاطئ، ولا تدخل ضمنها الشواطئ القريبة من المدن الرئيسية أو المحاذية للمصانع ونقاط الصرف الصحي. في المقابل، تبيّن أن هناك 6 مواقع ملوّثة جداً و«لا تصلح للسّباحة نهائياً». واللافت أنّ هذه المواقع الخطرة مصنّفة «مسابح شعبية»، مثل الرملة البيضاء في بيروت، والمسبح الشعبي في جونية، وطرابلس، ومصب نهر أنطلياس. وهذه المناطق يقصدها هواة السباحة «مثل النمل خلال العطل الأسبوعية»، بحسب رئيس مركز علوم البحار الدكتور ميلاد فخري.
وأشار التقرير إلى وجود 9 مواقع «غير مأمونة» تعتبر نسب التلوث البكتيري في مياهها متوسطة، بسبب «تعرّضها للتلوث بشكل متقطع»، مثل شاطئ القليعات شمالاً، وعين المريسة في بيروت، وشاطئ صيدا الشعبي.
وخلال استعراض فخري لنتائج الدراسة، تبيّن أنّ اللون الأزرق الذي يشير إلى «المنطقة الآمنة» يطغى على الشّاطئ اللبناني. ولكن، غابت بيروت تماماً عن هذا التصنيف مع خروج المنطقة الضيّقة في عين المريسة، بين مرفأ الصيادين والريفييرا، عن التصنيف الجيّد بعدما صُنّفت آمنة عام 2022، و«هبوطها إلى درجة غير المأمونة». ويمكن في هذه المواقع، «السباحة بحذر»، ولكن وجب تحديدها كي «يعرف المواطن السبب إن أصيب بمرض ما». كما تبيّن أنّ منطقة الشمال التي تضم 5 نقاط مراقبة، تتضمّن مكاناً واحداً فقط صالحاً للسباحة، «قرب الملعب البلدي في طرابس».
وفي المنطقة الوسطى الممتدة من سلعاتا إلى جونية، يعود اللون الأزرق بشكل كامل، في إشارة إلى «المنطقة الآمنة»، إلا أنّ فخري حذّر من «أنّ التحاليل التي أُجريت لا تشمل الوضع الكيميائي للمياه، بسبب الكلفة العالية لذلك، ما يعني أن المناطق الشمالية الزّرقاء بيولوجياً قد تكون حمراء كيميائياً لوقوعها قرب مصانع كبرى». وتسجّل المنطقة الوسطى استثناءً في جونية، قريباً من ميناء الصيادين، والتي كان يفترض أن تتحوّل إلى مسبح شعبي بحسب المخططات المحليّة، إذ تشير النشرة إلى تلوثها بكتيرياً بشكل كبير!
أمّا المنطقة الممتدة من ضبيه إلى بيروت، فتشعّ باللون الأحمر وتُعتبر السّباحة فيها خطراً ولا يوجد فيها أيّ مكان آمن للسباحة. فيما تتنوّع الألوان في المنطقة الجنوبية الممتدة من خلدة إلى الناقورة، بين الأصفر في خلدة القريبة من مكب كوستا برافا ومصب نهر الغدير، إلى الأزرق الآمن في الدامور والجيّة، ليعود الخطر في منطقة صيدا كلّها، حيث زادت نوعية المياه سوءاً، بعدما كانت التوقعات العام الماضي تشير إلى احتمال أن تشهد تحسّناً.
العيّنات أُخذت من المواقع على مدار السّنة وفقاً لمنهجية علمية، من على سطح الماء، وحتى عمق 50 سم. أمّا مؤشرات التلوث البكتيري المعتمدة في الدراسة، فهي نسب مستعمرات البكتيريات البرازية في كلّ 100 مل من مياه البحر، الناتجة عن التخلّص من مياه الصرف الصحي وعصارة المكبّات في البحر. ولفت فخري إلى أنّ «النتائج تشير إلى حالة المياه في النقطة المرجعية، لا كامل الشاطئ اللبناني»، إذ يحتاج المسح الشامل إلى «مقدّرات مالية، وفرق عمل أكبر، لا تتوافر لدى المجلس حالياً». بالتالي، يحاول مركز علوم البحار، بحسب فخري، درس نوعية المياه في النقاط الحرجة، مثل «المسابح الشعبية، مصبات الأنهر، الشواطئ قرب المعامل الصناعية ومصبات المجارير».