كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
يعود الإستحقاق الرئاسي إلى الواجهة مطلع هذا الأسبوع بدفعٍ إقليمي دولي يحمله موفد الرئيس الفرنسي الخاص إلى لبنان الوزير السابق جان-إيف لودريان، وذلك بالتوازي مع استحضار المعضلة الرئاسيّة اللبنانية على هامش مداولات قادة 3 من الدول الأكثر إنخراطاً في الساحة اللبنانية، أي فرنسا والسعودية وإيران.
وبعد لقاء القمّة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الإليزيه الذي عقد يوم الجمعة الماضي، حطّ وزير خارجيّة المملكة العربيّة السعودية الأمير فيصل بن فرحان في اليوم التالي ضيفاً على رئيس الجمهوريّة الإيرانية إبراهيم رئيسي آتياً من باريس في زيارة رسميّة جرى خلالها البحث في»سبل تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، من بينها تعزيز التنسيق المشترك في القضايا الإقليميّة والدوليّة ذات الإهتمام المشترك، بما يحقّق الأمن والإستقرار للمنطقة والعالم».
وعلى اثر اللقاءات في الخارج، من المرتقب أن تشهد الساحة الداخلية إعادةً لتفعيل اللقاءات والمبادرات الرئاسية منها تلك التي تقوم بها بكركي مع المعنيين في الملف الرئاسي ومن بينهم قيادة «حزب الله».
وفي السياق، وبعدما أوفد البطريرك بشارة الراعي رئيس أساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر للقاء أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله في الثالث من الشهر الجاري، من ضمن سلسلة لقاءات شملت غالبيّة القوى السياسيّة، عُلِمَ أنّ البطريرك الراعي سيستكمل مساعيه التوفيقيّة بين المعنيين في الملف الرئاسي مطلع الأسبوع الجاري بعد اختتام أعمال السينودوس يوم السبت الفائت. ويتسلّح الراعي بتأييد أساقفة الكنيسة المارونية الكامل «للمساعي الحثيثة التي يقوم بها من أجل تعميق التفاهمات بين جميع اللبنانيين»، إنطلاقاً من «دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى داراً للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين»، وفق ما ورد في البيان الختامي لأساقفة الكنيسة المارونيّة.
وإن كانت المبادرات الحواريّة داخلياً وخارجياً تهدف في نهاية المطاف إلى تأمين ظروف انتظام عمل المؤسسات الدستوريّة من انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات الجمّة المنتظرة، فإنّ نجاح أي حوار يتطلّب معالجة جذور المشكلة كخطوة أساسيّة للإستجابة لمواقف القوى السياسيّة الممكنة والقابلة لأن تتحقّق. ومع تأكيد عقم المجلس النيابي في القيام بدوره وانتخاب رئيس عقب نتائج الجلسة الرئاسيّة الثانية عشرة، توالى تركيز قوى الثامن من آذار على وجوب العودة إلى الحوار كطريق إلى التوافق والخروج من المأزق. في حين أوضح عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» علي فيّاض «أن التوافق يعني الإنصات إلى الهواجس، وتبادل الضمانات، واحترام التوازنات الداخليّة، والاتفاق على الخطوط العريضة لمعالجة المشاكل اللبنانية»، وذلك بالتوازي مع تمسّكهم بترئيس الوزير السابق سليمان فرنجيّة (51 صوتاً).
وتوقّفت أوساط متابعة عند «هواجس» قوى «8 آذار» من الإستحقاق الرئاسي، بعدما أسّر أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله على مسامع الموفد البطريركي المطران بولس عبد الساتر المعنى الضمني والفعلي لرئيس لا يطعن المقاومة. واعتبرت أنّ الدور الفعلي لبكركي مع استئناف اللقاءات بين الطرفين، يكمن في تذليل هذه الهواجس غير الموجودة أصلاً، والسعي إلى إعادة تفعيل دور الرئاسة الأولى كحكمٍ يتخطّى الإختلافات السياسيّة الضيقة، وذلك عبر تأمين ظروف انتخاب رئيسٍ لكل الجمهورية يحمل هواجس شعبها ويعمل على ضمان مستقبلهم في وطنهم في مقابل المساعي الدؤوبة للإبقاء على الجمهوريّة ورئاستها رهينة في صراع المحاور.
أما عن دور بكركي وإمكانية دعوة القوى السياسيّة إلى حوارٍ جامع، فاستبعدت أوساط متابعة إنغماس سيّد الصرح في تفاصيل اللعبة السياسيّة الداخليّة وسط رفض البطريرك الراعي في عظة أمس «مهزلة ما جرى في جلسة الإنتخاب الأخيرة حيث انتهك الدستور والنظام الديمقراطي بدم بارد»… لتترك الباب مفتوحاً في الموازاة على إمكانية تتويج اللقاءات مع «حزب الله» والآخرين، بإمكانية الدعوة إلى قمّة روحيّة تؤكّد نهائية لبنان، ووجوب العمل على انتظام عمل مؤسساته الدستورية وتقريب اللبنانيين من بعضهم البعض بعيداً عن الإنغماس في تفاصيل الإصطفافات والأسماء الرئاسيّة، على أن يكون الهدف الأول والأخير الإسراع في انتخاب رئيسٍ للجمهورية.