كتب ناصر زيدان قي صحيفة “الأنباء الكويتية”:
ساهم فشل جلسة البرلمان اللبناني في 14 حزيران في انتحاب رئيس جديد للجمهورية بتنامي الطروحات الراديكالية المتطرفة على ضفتي الانقسام الداخلي، وقد ظهرت الى العلن بعض الأفكار التي كانت حبيسة الأذهان، وعبرت جهات مختلفة عما يجول في خواطرها من جراء القنوط التي يصيبها من استمرار حالة الانهيار الاقتصادي والسياسي منذ ما يقارب 3 سنوات بدون وضع أي خطة جدية للمعالجة، بينما غالبية من المواطنين يعيشون حالة من الفقر المدقع، وأموال المتمكنين منهم محجوزة في البنوك، ودخل الموظفين يكاد لا يكفي لسد تكاليف الطعام.
في الشارع المسيحي على وجه التحديد تسمع أصوات المطالبة بتطبيق الفيدرالية، أو أي نظام يخلصهم من الشراكة المتعبة مع مكون أساسي يعتقدون أنه يملك طموحات داخلية وخارجية لا تتناسب مع واقع لبنان، ويقولون «إن الثنائي الشيعي» أو «الثنائي الوطني» يستقوي بالسلاح وبالعدد على الفرقاء الآخرين في الدولة، وهو يريد فرض إرادته على باقي المكونات، بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية يفترض أن يمثل المسيحيين من دون أن يحظى بتأييد الغالبية الساحقة منهم، بينما تجربة هذا الفريق بإدارة الدولة مع شركائه في السنوات الأخيرة أثبتت عقمها، وأدت الى انهيار اقتصادي كامل وفوضى في القطاعات الخدماتية الأساسية.
بالمقابل فإن فريق الثنائي يتحدث عن طرق جديدة تؤدي لقلب الطاولة على المعارضين، من خلال تسريب طروحات عن الرغبة في تغيير طبيعة النظام وإعادة توزيع السلطة على الطوائف، بما يخدم أهدافه، خصوصا منها تطبيق نظام «مثالثة» أو تنفيذ مداورة في تولي الرئاسة من قبل أشخاص ينتمون إلى الطوائف الثلاث الكبرى، وألا يعود منصب رئيس الجمهورية حكرا على المسيحيين الموارنة، كما هو العرف الدستوري القائم اليوم.
والكلام الذي خرج عن لسان نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب بعد لقائه مع رئيس المجلس نبيه بري، أثار جدالا واسعا، وأعطى مبررات لخوف الفريق الآخر من النية بفرض هيمنة للثنائي على بقية مؤسسات الدولة، وذلك عندما دعا بو صعب الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة قد تؤدي الى انتاج أكثرية نيابية جديدة تخرج البلاد من الدوامة الحالية، وتسهم في تعجيل انتخاب رئيس للجمهورية، بعد أن فشل المجلس الحالي في القيام بالمهمة منذ أكثر من 8 أشهر. وكلام بو صعب منطقي من حيث الفقه الدستوري في الأنظمة البرلمانية، لكنه في لبنان يحمل رسالة تهديد واضحة للمعارضة الجديدة، لاسيما منها التيار الوطني الحر، لكون حزب الله يعتبر أن 7 من نواب التيار فازت بأصوات مناصري الحزب، والانتخابات الجديدة قد تحرمه منهم، كما يراهن الثنائي على خسارة التغييريين لمقاعدهم لمصلحة عودة بعض حلفائهم من أصدقاء النظام في سورية الذين أخفقوا في الوصول الى الندوة النيابية في الانتخابات الأخيرة، وقد يستفيد الثنائي ايضا من استمرار غياب تأثير مكون طائفي وسياسي أساسي كان يمثله تيار المستقبل.
من الواضح أن هناك من يدفع البلد نحو انقلاب على الصيغة القائمة، وتغيير المعادلة الحالية. والخوف المتبادل قد ينتج حالة من الفوضى، أو ربما اقتتال. فالثنائي يخاف من خسارته لنفوذ تمتع به في الحقبة الماضية، وهو يعتبر أن امتلاكه للسلاح دون غيره من الأطراف اللبنانية جزء من الامتيازات التي تعوضه بعض الحرمان من الوصول الى المواقع الأساسية في الدولة. والطرف الآخر يتوجس من سلاح حزب الله، ويعتبره تهديدا موجها للداخل، وليس في مواجهة العدو الإسرائيلي، وانطلاقا من هذه القناعات، تجهد المعارضة المسيحية للتهويل بطلب تطبيق الفيدرالية للهروب من شراكة مفروضة بقوة السلاح، وهي تستميت لعدم تمكين مرشح قوى الممانعة سليمان فرنجية من الوصول إلى سدة الرئاسة.