كتب داود رمال في صحيفة الأنباء:
بعدما انتهت الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية الى مزيد من الاستعصاء الداخلي، الذي شطر البلد الى اتجاهات متعارضة، وأذهبت ما تبقى من ثقة بين حلفاء الأمس وخصوم اليوم، صار النظر الى خارج الحدود أمرا بديهيا، يحتاج الى حث لاستعجال التدخل، لأن ما سبق الجلسة من بث للأحقاد والتهديد والوعيد المتبادل وما رافقها من توتر عالي السقف وما تلاها من انعدام وزن، لا يبشر بأي خير.
نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تعمد أن يتقمص شخصية الإمام المغيب السيد موسى الصدر، وبالتكافل والتضامن مع رفيق دربه الطويل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، من نزع فتيل التفجير الذي كاد أن يشتعل، وعلى طريقتهما صاغا المخرج «للجلسة اللغم»، من خلال «ملائكتهما» من النواب المخفيين الذين لا يعرفهم الا كلاهما، فأنزلا جهاد أزعور عن عتبة الستين ورفعا سليمان فرنجية الى عتبة الخمسين، بحيث لا يستطيع أحد زعم شطب أي من المرشحين من معادلة السباق الى الرئاسة.
صحيح أن الكتل النيابية انهمكت في عمليات الجمع والطرح والقسمة لمعرفة من «الخائن»، وما استطاعوا تحديد الاتجاهات وبالتالي استحال عليهم العثور على الأسماء، إنما هذا المخرج لأزمة كانت ستستعر وتنتقل الى الشارع، ما كان ليبصر النور لولا «قبان بري الذي استعان ببيضة جنبلاط»، على حد تعبير مرجع نيابي، وفي صندوق الاقتراع في ساحة النجمة حضرت «اوراق» بردت الرؤوس الحامية وجعلت الجميع يتحسسون ارض الواقع بعيدا عن الأوهام.
ويبقى السؤال الى أين نتجه بعد جلسة الرابع عشر من يونيو؟ يقول مصدر ديبلوماسي لـ«الأنباء»: الى «الحوار الذي لا مفر منه، على قاعدة تنازل الجميع لمصلحة لبنان، لأن الحوار هو قدر لبنان، وهذا البلد لا يعيش إلا بالحوار، شريطة أن توصد الأبواب في وجه المعتاشين على الخلافات والفتن، وان تصمت أبواق التهديد والترهيب والتخوين».
ولكن كيف السبيل الى الحوار؟ الجميع أقر باستحالة إنتاج حل للأزمة في لبنان من دون حوار، والمفتاح السري للحوار هو ألا يكون مشروطا، والخارج لا يستطيع مساعدة اللبنانيين اذا لم يتخذوا القرار الحاسم بمساعدة انفسهم، وما سمعه البطريرك بشارة الراعي في الفاتيكان هو وجوب اعتماد الحوار بين كل الجماعات اللبنانية سبيلا للحل وترسيخا للعيش معا، وعندما يجمع الفرقاء السياسيون على خيار الحوار سيجدون اليد الخارجية العربية والدولية، تمتد اليهم لمساعدتهم على تجاوز الصعاب. وزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي يصل غدا الاربعاء، تصب في هذا الاتجاه، فهو قادم ليس لاستطلاع ما يعرفه عن ظهر قلب، إنما ليدون بحبر غير قابل للإمحاء اقرار الفرقاء باستعدادهم للحوار، بحيث توضع كل القضايا على الطاولة بلا ممنوعات سياسية، والتفاهم من حولها يفضي تلقائيا الى اختيار الرئيس المناسب لقيادة هذا التوافق ووضعه موضع التنفيذ.
وعن الفترة الزمنية لإنضاج الاتفاق على موعد ومكان الحوار، يؤكد المصدر «أن الأمر رهن بإرادة اللبنانيين الجامعة، ومن استطاع أن ينزع فتيل الانفجار في الوقت الحاسم قبل موعد الجلسة، يستطيع أن يدفع بقوة إلى تسريع الاتفاق على هذا الحوار زمانا ومكانا، مع تفضيل بأن تكون الرعاية عربية ودولية، كون ابرز بنود الحوار استكمال تنفيذ الدستور بكل نصوصه ومندرجاته، كون استكمال تطبيقه يشكل عنصر اطمئنان للجماعات اللبنانية، ويبعد فكرة الطلاق مع الشريك في الوطن».