كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
ليس جديداً مصطلح التقاطع في قاموس «التيار الوطني الحرّ»، فقد لجأ إليه مؤسس «التيار» العماد ميشال عون عام 2005 ليفسّر انقلابه على المعارضة كخطوة أولى، ومن ثمّ تحالفه مع حلفاء سوريا و»حزب الله». وعاد هذا المصطلح وظهر بالأمس مع تقاطع رئيس «التيار» الحالي النائب جبران باسيل والمعارضة على اسم المرشح الوزير السابق جهاد أزعور.
كان يمكن لاصطفاف عون إلى جانب 14آذار قلب التوازنات الداخلية وإضعاف نفوذ «حزب الله»، لكن ذهابه إلى صفوف المحور السوري – الإيراني ونسجه تفاهم «مار مخايل» في 6 شباط 2006، ومن ثمّ تحالفه مع الرئيس السوري بشار الأسد، كلها عوامل بدّلت في مجرى السياسة، فاستعاد المحور السوري – الإيراني قوّته وشنّ الهجوم المضاد على ثورة 14 آذار. وأتت «حرب تموز» لتزيد قوّة «الحزب» الذي استفاد من الغطاء المسيحي الذي تأمّن له.
وتُطرح في الأروقة السياسية جملة أفكار، منها هل تموضع «التيار الوطني الحرّ» الجديد، إن صمد، يُعيد إحياء عناصر القوة التي كانت موجودة في 14 آذار ويُضعف نفوذ «حزب الله»؟ القارئ في المشهد السياسي يكتشف أنّ هذا الأمر شبه مستحيل حتى لو ذهب باسيل إلى النهاية في التقاطع مع المعارضة ولم يقتصر على التقاطع الظرفي على ترشيح أزعور، وتتلخّص الأسباب بالآتي:
العوامل الخارجية:
أولاً- كان النظام السوري مطوّقاً بعد زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري وفاقداً معظم عناصر قوته، وابتعد حلفاء الأسد لبعض الوقت عن الساحة قبل عودة العماد عون في 7 أيار ليتحالف معهم في الإنتخابات النيابية.
ثانياً- كان لبنان تحت المجهر الدولي، وكانت خطابات الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش والرئيس الفرنسي جاك شيراك تذكر لبنان يومياً، وكانت القرارات الدولية تتّخذ في مجلس الأمن في ما خصّ جريمة الإغتيال وواقع لبنان، كذلك كان القرار 1559 مقروناً بحرص دولي على تطبيقه.
ثالثاً- عربياً، كانت المملكة العربية السعودية معنية مباشرة بما يحصل في لبنان، وصرفت كل اهتمامها بعد 14 شباط على الساحة اللبنانية، ولم يكن موقفها مثل اليوم.
رابعاً- لم يكن المحور السوري- الإيراني عام 2005 بهذه القوة، بل كان مطوقاً، ولا يستطيع التحرّك عربياً ودولياً.
العوامل الداخلية
أبرز الأسباب الداخلية التي تمنع تكرار ما بعد 14 آذار ولا تمنح المفعول نفسه لعودة «التيار» إلى صفوف المعارضة، تتجلّى بالآتي:
أولاً- لا يمكن تكرار لحظة 14 آذار، فالناس كانت متحمسة والشارع يغلي على وقع جريمة إغتيال الحريري، أما اليوم فالناس محبطة بعد تجربة 14 آذار و17 تشرين، وكل هدفها تأمين لقمة العيش والإستشفاء وصار طموح الغالبية الهجرة.
ثانياً- شكّل المكوّن السنّي رأس الحربة في المشروع الإستقلالي ووقف في خطوط المواجهة الأولى، واتّخذ شعار «لبنان أولاً» لمعركته، وتحالف مع المسيحيين والدروز وقسم من الشيعة المستقلّين ما كوّن أكبر تحالف وطني، أمّا اليوم فيغيب المكوّن السنّي عن الخريطة السياسية ويزيد تشرذماً وينقسم على نفسه،كما خرق «حزب الله» البيئة السنّية بقوّة.
ثالثاً- كان هناك إجماع مسيحي على مطالب السيادة والإستقلال، بينما أخذ «التيار» قسماً من المسيحيين إلى مبادئ لم يكونوا يؤمنون بها، وصار من الصعب إعادة البعض حتى لو تراجع «التيار».
رابعاً- لم يكن «حزب الله» بهذه القوة، فبعد نحو 18 عاماً زاد قوةً ونفوذاً وتغلغل في الدولة وسيطر على السياسة الاستراتيجية، وورث الدور السوري في لبنان، بينما كان خارج الدولة قبل 2005.
خامساً- ضعفت كل المكوّنات اللبنانية مقابل نمو قوّة «حزب الله» الذي أطبق على الطائفة الشيعية، وانهارت الدولة وضُربت المصارف والمدارس والمستشفيات، وهاجرت النخب اللبنانية، وأثّرت الإغتيالات التي طالت قادة 14 آذار على مجريات المعركة السياسية، وبالتالي انهارت الدولة وصمدت «الدويلة» وتوسعت، وبات لـ»حزب الله» في كل طائفة ومدينة وقرية غير شيعية جماعته الخاصة، ووصل به الأمر أخيراً إلى خرقه «التيار الوطني الحرّ» ومحاولة استمالة بعض نوابه، ما أثار غضب باسيل وتحدّث عن هذه النقطة في مقابلته الأخيرة.
سادساً- عدم وجود معارضة موحدة حالياً وافتقادها إلى القيادة الواعية والهادفة، خلافاً لـ 2005 حين شكلت المعارضة قيادة سياسية أعلنت اندلاع انتفاضة الاستقلال.
صار «حزب الله» في موقع قوة، في حين تشتّتت المعارضة ومن يريد المواجهة، وبالتالي حتى لو عاد «التيار» إلى موقعه لحظة 14 آذار، فلن يغيّر هذا الأمر شيئاً في التركيبة، لأنّ «التيار» 2005 باعتراف قيادته هو غير «التيار» 2023، فقد انخفضت شعبيته من 70 في المئة لدى المسيحيين وحضوره في بقية الطوائف، إلى نحو 20 في المئة عند المسيحيين وغيابه عن بقية الطوائف.