كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
كثيرة هي تفسيرات تَعثُّر المبادرة (المبادرات) الرئاسية الفرنسية. وفي أفضل الأحوال، جاءت لقاءات مبعوث الرئيس الفرنسي، جان- إيف لودريان، الأخيرة في بيروت لتوصف بالـ»إيجابية» على خجل. ثم إنّ الإعلام يذهب، على وقع دبلوماسية الوقت الضائع، للمناورة في اتّجاهين معاكسين، مصوّراً مرشّح المعارضة، على هذا المقلب، ومرشّح الممانعة، على ذاك، بصاحب السبق في الوصول إلى كرسي بعبدا.
مصدر قوّاتي أشار إلى أنّ الخارج عامة لم يتدخل لبنانياً إلّا نتيجة لعدم قدرة اللبنانيين على انتخاب رئيس لجمهوريتهم. فالمعارضة، ومنذ اللحظة الأولى، أكّدت أنّ الاستحقاق لبناني بامتياز ويجب التعاطي معه من خلال جعل الانتخاب بِيَد المجلس النيابي، وهو بالأمر الممنوع بسبب رفض فريق الممانعة الذهاب إلى جلسات انتخابية مفتوحة. «أمام الاستعصاء الداخلي، يسعى الخارج لإخراج الاستحقاق من هذا النفق انطلاقاً من حرص على الواقع وخشية تَفاقم الحالة الانهيارية وانعكاساتها على المنطقة ككلّ».
ويضيف المصدر أن ذلك لا يتحقّق إلّا إذا توافرت الإرادة الداخلية، وهذا كان سبب عدم نجاح المبادرة الفرنسية تحديداً. «اليوم تعود فرنسا بمبادرة جديدة انطلاقاً من نقطة الصفر. فزيارة لودريان كانت استطلاعية، وليس بالضرورة أن تصل بمفاعيلها إلى نتيجة في ظل تمسّك فريق الممانعة بموقفه ورفضه التلاقي في مساحة مشتركة». أما في ما يخصّ الإعلام، فاعتبر المصدر أنّ القدر الأكبر من التضليل ممكن غير أنّ الوقائع ثابتة والحقيقة واحدة. فميزان القوى النيابية ظهر بوضوح في جلسة الانتخاب الأخيرة، والمعارضة تتحدث في الإعلام بشكل لا لبس فيه عن معطيات قائمة. في حين أن ثمة من يحاول ذرّ الرماد في العيون. هناك من يتحدّث عن وقائع وهناك من يبدي مجّرد رغبة في الوصول إلى الرئاسة، بحسب المصدر.
بدوره، ثمّن مصدر مقرّب من الثنائي الشيعي المحاولات المتتالية للدولة الفرنسية، مقدّراً محبّتها للبنان وشعبه. وأكّد أنّ لودريان تمكّن في زيارته الأخيرة من الخروج باستنتاج واحد، ما يعكس الرأي الذي أعلنه الرئيس بري حيال حاجة لبنان إلى الحوار قبل أي شيء آخر. أمّا إعلامياً، «يحقّ في السياسة المناورة من أجل الوصول إلى الهدف المرجوّ، لكن هناك فرق بين المناورة والكذب. فترشيح الوزير سليمان فرنجية لم يكن مناورة، وهو شخصية مارونية أصيلة وله كامل الحق في الترشّح. أمّا الترشيحان المقابلان فكانا كذبة بكل ما للكلمة من معنى، ولم يكن طرح اسمَي المرشحَين سوى ثمنٍ واجب التسديد تمريراً للوقت بانتظار إشارة ما أو تحقّق مصلحة ما». المصدر شدّد على أن الواقع الإعلامي الراهن لم يعد كما كان، بل هو أصبح إحدى الأدوات التي يجيد الطرف الآخر استخدامها تنفيذاً لأجندات واضحة تخدم مشاريع استراتيجية ترسم سياسات المنطقة، لا بل تعيد رسم خريطة العالم.
بإزاء هذا الانشطار العمودي في المرامي والتقييم، ترى الباحثة في علم الاجتماع السياسي، الدكتورة ميرنا زخريّا، أن لا توازن بين مبادرات فرنسا وقدراتها. فمن منظار اللبناني، لم تكن زيارة لودريان الأخيرة سوى وسيلة لتقطيع الوقت بانتظار اكتمال المشهد على مسرح شدّ الحبال الأميركي – الإيراني الذي من شأنه أن يحدّد إطار المشهد الختامي الداخلي. وإلى حينه، ستقوم فرنسا بما عليها للحفاظ على موطئ قدم اقتصادي في الملف اللبناني، وضمان مقعد لها في قطار التسوية المحتملة. فنجاح أو فشل المبادرة مرتبط بالتالي، كما تلفت زخريّا، بدينامية دولية متعدّدة الرؤوس أكثر من ارتباطه بموفدي فرنسا ومساعيها.
وتختم: «واضح أنّ لبّ المشكلة مع الدبلوماسية الفرنسية يتمحور حول كون أمنياتها الرئاسية لا تتناسب فعلياً مع قدراتها التنفيذية. وهي في ذلك أقرب إلى الأم الحنون التي تتمنّى لأولادها ولذاتها العُلا في حين أنّ سلّم الصعود ليس بمتناول يدها. وعلى هذا المنوال، تتالت الأمنيات الفرنسية دون تحقيق أي نجاح يُذكر… من الانتخابات الرئاسية عام 2016، إلى زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون عام 2020، فمحاولة إيصال السفير مصطفى أديب إلى السراي الحكومي عام 2020، وصولاً إلى انتخابات رئاسة الجمهورية بنسختها الحالية».
وهكذا، أكثر ما ساهم في التعثّرات الدبلوماسية الفرنسية المتلاحقة، أقلّه حتى الساعة، هو انعدام التوازن بين حجم المبادرات ومستوى الإمكانيات. وحتى إشعار آخر، تتواصل مناورات الوقت الضائع – سياسياً وإعلامياً.