كتب منير الربيع في “المدن”:
لا يسقط حزب الله من حساباته مسألة الضمانات التي يطالب بها في أي تسوية مقبلة. يكثر الحزب من الحديث عن هذه الضمانات بصيغ مختلفة. فتارة يقولها صراحة، وطوراً يعتبر أنه لا يمكن القبول بانتخاب رئيس يطعن المقاومة من الظهر. تختلف التقديرات حيال هذه المواقف. فالبعض يعتبر أن الحزب يطالب بهذه الضمانات للتمكن أكثر من السيطرة على الدولة اللبنانية وقراراتها. فيما البعض الآخر يرى أن هناك حالة من القلق الدائم تعيشه الطائفة الشيعية، وأنه في خلفية تفكير الحزب وعموم أبناء الطائفة يستشعرون تهديداً مستمراً، أو يتخوفون من العودة إلى “طائفة المحرومين والمهمشين”. وهو ما لا يمكن للحزب أن يرتضيه بعد كل ما حققه سياسياً، وعسكرياً.
“الحرمان” والتضخم
تلك النظرة لدى حزب الله، يردّ عليها خصومه بالقول إن الحزب هو الذي يستضعف الجميع، وطالما هو لم يلتحق بركب الميزات التي كان عليها لبنان سابقاً، فقد تمكن من جعل اللبنانيين كلهم محرومين، أو أنه أقام اقتصاد الحرمان “لتحقيق التوازن”. وهذا ما يدفع الآخرين لرفع شعارات تتعلق بالانفصال عن حزب الله، وعدم الارتباط في أي تسوية معه.
في كل الأحوال وبعيداً عن هذه السجالات، لا بد من التوقف عند كل ما يفكّر فيه الحزب في مقاربة الاستحقاقات الأساسية والاستراتيجية، وخصوصاً في المرحلة الحالية.
بداية، كان أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، حريصاً كما غيره من المسؤولين البارزين في الحزب على التأكيد بأنهم لا يسيطرون على الدولة اللبنانية، ولا على قراراتها. تأتي هذه المواقف رداً على من يقولون إن الحزب قد أخضع الدولة اللبنانية وسلطتها وسياستها الداخلية والخارجية له. ولكن فعلياً، يعتبر حزب الله أن كل التضخم الشعبي والسياسي والعسكري والأمني والمالي الذي حققه في لبنان وخارج لبنان بالسنوات الماضية، لم يكن قابلاً لاستثماره عملياً في لبنان. إذ نجح في تحصين نفسه سياسياً، من خلال تحالفات متعددة مع طوائف وقوى مختلفة، مستفيداً من ضعف الخصوم وانعدام الإنسجام فيما بينهم على مشروع سياسي واضح. كل هذه المقومات هي التي منحت الحزب منعة أساسية، كانت تجلياتها البارزة ماثلة للعيان منذ الإنقلاب على حكومة سعد الحريري في العام 2010، وصولاً إلى انتخاب ميشال عون في العام 2016.
المخاوف..
بعض من هذه الأوراق السياسية تسرّب من بين يدي الحزب بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وبعد انتهاء ولاية ميشال عون، والدخول في اختلاف كبير مع الحليف الاستراتيجي، التيار الوطني الحرّ. وما زاد القلق لدى الحزب، هو اجتماع القوى السياسية المسيحية الكبرى على موقف واحد ضد خياراته. أمام هذا الواقع، تستفيق داخل الحزب مخاوف كثيرة، يعبّر عنها بوضوح بأنه لا يمكن عزله ولا استثناءه. خصوصاً من قبل الذين يدعون إلى إعادة إحياء منطق “الجبهة اللبنانية”. علماً أن ذلك كان لمواجهة الشركاء في الوطن، وجاء في الأساس بدافع معارضة الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، ودعم جزء من القوى اللبنانية للفلسطينيين. اليوم بالنسبة إلى حزب الله فالصورة مختلفة. إذ أن الشيعة يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني، وبالتالي لا يمكن عزلهم ولا تجاوزهم.
مقايضة جديدة
كل هذه الهواجس تحضر في خلفية عقل حزب الله، خلال مقاربة الملف الرئاسي وكيفية إنجازه. ومن هنا، تبرز معادلة واضحة لا لبس فيها بالنسبة إلى الحزب، وهي تخيير اللبنانيين بين انتخاب رئيس للجمهورية يثق به الحزب، مقابل تقديم تسهيلات وتنازلات بملف تشكيل الحكومة وغيرها. أو أن الخيار الآخر سيكون فراغاً طويلاً، لا يمكن حلّه إلا بالذهاب إلى حوار موسع تُطرح على طاولته ملفات كثيرة، من بينها الحصول على تلك “الضمانات” التي يجري التداول بها كثيراً في الكواليس. وهذه الضمانات ستكون بلا شك سياسية ودستورية مكتوبة. فالحزب يعتبر أنه على الرغم من كل ما قدّمه ليس لديه ما يحميه سياسياً سوى قوته.
تستمد هذه الرؤية قراءتها منذ قرار الحزب الدخول إلى الحياة السياسية اللبنانية في العام 1992. فبعدها حصلت أحداث العام 1993 والاشتباك مع الجيش على طريق المطار. وبعدها جاءت مسألة إدخال الجيش إلى الجنوب، والتي كانت حسب اعتبار الحزب تهدف إلى تطويقه ونزع سلاحه. وبالمنظار ذاته ينظر إلى حرب تموز، وبعدها الإجراءات التي دفعته إلى اجتياح بيروت والجبل في 7 أيار 2008. ويعتبر أن مثل هذه المسارات ستبقى مستمرة في المرحلة المقبلة من خلال رئاسة الجمهورية وغيرها. وهذا ما يريد هو الإلتفاف عليه، إما من خلال رئيس للجمهورية يثق به أو من خلال الذهاب إلى البحث عن ضمانات فعلية ومكتوبة.