كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
أم رشيد اللداوي، أم عزيز، أم دانيال صوراتي، أم رياض وجاكلين…. اسماء وأسماء لأمهات باغتهم الموت قبل أن يودعوا للمرة الأخيرة رفات أحبائهم. رحلن وهن يحملن صور أولادهم المخفيين والمفقودين في السجون السورية ولعل اللقاء بهم حصل!. وباستثناء جمعية المعتقلين في السجون السورية وجمعية سوليد ومن تبقى من الأهالي لا أحد يسأل، وإذا ما طُرِحَ السؤال يكون التالي: أين رفاتهم؟
صحيح أن ثمة من حاول ولا يزال من القيمين على القضية إبقاءها حية بطرق مختلفة، لكن تبقى ذاكرة الأمهات والزوجات والأبناء هي الأكثر التصاقاً بالواقع. ومع رحيل كل أب وأم وزوجة لأحد المفقودين يندثر جزءٌ من ذاكرة أهالي المفقودين.
توصيف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية على أنهم “مخفيون قسرا”، ضرورية لأن هذه التسمية تحفظ حق أهلهم بمعرفة مصيرهم، وملاحقة الموضوع والحصول على تعويضات، فضلا عن حق الضحية، وهم ليسوا معتقلين، لأن السلطات السورية لم تتعامل معهم على هذا الاساس، وإلا كانت منحتهم حق حصول ذويهم على زيارات لهم في السجون.
وفي هذا الإطار، تميز مصادر في الأمم المتحدة بين “الإخفاء القسري” و”الإعتقال”، موضحة أن “الإخفاء يعني أنه تم خطف شخص بمعرفة الدولة أو قوى الأمر الواقع، بينما المعتقل هو شخص محروم من الحرية ومعروف مكان وجوده ومعترف بوجوده”، وهذا ما لا ينطبق على اللبنانيين الذين لم تعترف سوريا بوجودهم في سجونها.
الأكيد أن صرخات وعويل وبكاء الأمهات لم يصل إلى مسامع القيمين على الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنما رضخوا للضغط المكثف الذي مارسته عائلات المفقودين السوريين إلى جانب مجموعات ومنظمات لفتح هذا الملف والكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا منذ العام 2011 . وبوصول “كلمة السر” أصدرت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار قراراً يقضي بإنشاء مؤسسة هي الأولى من نوعها تعمل على كشف مصير ما يقدر بنحو 100 ألف شخص في عداد المفقودين أو المخفيين قسرا خلال الحرب الأهلية في سوريا. وتضيف في بيانها أنه يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة “توفير وسيلة لإعمال حق العائلات في معرفة الحقيقة من خلال إنشاء مؤسسة تركز على الضحايا مكرسة لتزويدهم بالإجابات التي طال انتظارها حول ما حدث لأحبائهم”.
رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية المعتقل السابق علي أبو دهن يعتبر أن القرار هو بمثابة ورقة سياسية فرضتها قوى عظمى ومؤثرة داخل الأمم المتحدة للضغط على سوريا لا أكثر ولا أقل. ومن سويسرا حيث يشارك في أحد المؤتمرات الخاصة بملف المعتقلين والمفقودين يقول لـ”المركزية” أن ” ليس هناك من دليل حسي وبالوقائع والوثائق، أكثر من الصور التي عرضها قيصر على المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وهي عبارة عن أكثر من 55 ألف صورة لمعارضين سوريين في السجون السورية وأبرزهم سجن تدمر حيث تعرضوا للتعذيب والقتل الوحشي على أيدي جلادي النظام السوري. وقد تعرَّف الأهالي على حوالى 11 ألف ضحية.مع ذلك لم تتحرك الولايات المتحدة ولا أي من الدول الكبرى التي تدافع عن حقوق الإنسان. فهل سيهز قرار إنشاء مؤسسة تعمل على كشف مصير ما يقدر بنحو 100 ألف شخص في عداد المفقودين أو المختفين قسرا خلال الحرب الأهلية في سوريا عرش رئيس النظام السوري بشار الأسد ويسرع في مد يد العون والمساعدة للكشف عن مصير المفقودين السوريين في السجون السورية منذ العام 2011؟
بثقة ملطخة بالغصة يضيف أبو دهن “هذا القرار سيبقى حبراً على ورق وسيكون كسواه من القرارات الدولية التي صدرت بحق النظام السوري بسبب الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه والشعب اللبناني. ويدرك أعضاء جمعية الأمم المتحدة أنهم سيذهبون للتصويت عليه من دون أن يعطي أي نتيجة باستثناء أنه سيشكل ورقة ضغط في يد الولايات المتحدة في حال تقاعست سوريا عن تنفيذ التزام ما يُطلب منها لا سيما بعد عودتها إلى الحضن العربي والإنفتاح العربي عليها، وأيضاً إلى الكلام الأميركي الشديد اللهجة حول تشديد العقوبات على النظام السوري واتخاذ إجراءات عقابية ضد تطبيع العلاقات معه ومطالبة أميركا النظام السوري بالإفراج عن مفقودين أميركيين في سوريا، وأبرزهم الصحافي الأميركي أوستن تايس. وهذا المطلب قد يكون الأساس وراء هذا القرار.
امس كان موعد التصويت على القرار. وتفاديا للإحراج والمأزق الذي كان سيدخل فيه لبنان خرق وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب دائرة المساءلة وأعلن أن لبنان سيمتنع مع عدد من الدول العربية عن التصويت لصالح مشروع القرار في الجمعية العامة في الأمم المتحدة، فكان كذلك، وامتنع. الموقف أثار موجة إنتقادات شعبية وصل إلى حد وصفه بـ”المعيب والمثير للغضب والإشمئزاز”، في ما اعتبره بعض السياسيين “سقطة أخلاقية جديدة”.
“ليس مستغربا هذا الموقف من دولة لم تسأل يوما عن 622 مفقودا في السجون السورية بحسب اللوائح المسجلة من قبل الأهالي، وحتما هناك مخفيون ومفقودون آخرون بالمئات عدا عن الذين ماتوا تحت التعذيب وتم دفنهم في مقابر جماعية وخنادق استحدثت تحت سجن تدمر. ومع دخول داعش السجن تم محو كل معالم المقابر الجماعية. مع ذلك سنكمل البحث ونسترد… رفاتهم” يختم أبو دهن.