IMLebanon

كأنها “لعنة التايتنيك اللبنانية” تصيب فرنسا… “المحترقة”

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:

أي مفارقةٍ أن ينتقل الاهتمام اللبناني بما يجْري في باريس مما يُحاك خلف أروقة خلية الأزمة المولجة وضْع خريطة طريقٍ لإنقاذ الوطن الصغير من أزمته العاصفة والعاصية على أي حلّ، إلى واحدٍ من أخطر المنعطفات التي وجدتْ فرنسا نفسها في فوهتها وكأنها غارقة «في دمها» الذي سال مع الرصاصة التي قتلتْ نائل المرزوقي وبدا أنها اخترقت الذاكرة التي لم تندمل جراحها بعد، وشكّلت عود ثقاب اشتعل فوق برميل بارود «نائم» من تاريخٍ لم يُشفَ، وبؤسٍ ويأسٍ لشباب من أصولٍ مهاجِرة، وسياسةٍ حملت توتراتٍ في علاقاتٍ خارجية (مع الجزائر) وصعّدتْ الأخذَ والردَّ حول قانون الهجرة.

في بيروت التي كانت حتى الأمس، القريب تعدّ الأيامَ لعودةٍ موعودة هذا الشهر للموفد الشخصي للرئيس إيمانويل ماكرون إليها بعد أن يكون قام بجولة على بعض العواصم التي تتشكّل منها «مجموعة الخمس» حول لبنان (تضمّ إلى فرنسا، الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر) واستخلص إطارَ الحلِ الممكنِ للمأزق الرئاسي لعرْضه على اللبنانيين، انقلب المشهدُ وسط رَصْدٍ لعدّادِ يومياتٍ سود خيّمتْ فوق رأس مدينةِ النورِ المكسورِ التي صارتْ فجأةً في مرمى اضطراباتٍ من النوع الذي يختلط فيه القِيَمي بالاجتماعي وبذاكرةٍ تختزن ماضياً استعمارياً لأكثر من 130 عاماً زخر بفصول دموية، وجُرْحَ مذبحة 1961 بحق متظاهرين جزائريين في باريس.

… فرنسا تحترق، ضواحي باريس تشتعل، أعمال شغب ودمارٍ ومظاهر مسلّحة وفوضى كاسرة لكل تَصَوُّر… غيض من فيض عناوين ومشاهد لفّت العالم، عن بلادٍ باتت تقف على كفّ نزاع داخلي لا يتوانى البعض عن توصيفه بحرب أهلية ما لم يتم تدارُك الوضع سريعاً، وبحال استمرّ التفلّت المشحون بغضبٍ مسكون باتهاماتٍ بـ «عنصريةٍ منظّمة» من هنا وبـ «حقدٍ دفين» من هناك، وسط خشيةٍ من أن تكون فرنسا أمام… «ثورة نائل».

وفي لبنان، الذي تلقّى بدوره شريط تَدَحْرُج كرة النار في فرنسا وصوره المُرْعِبة، كان وقْع الصدمة والقلق أكبر، بدءاً من الخوف على ما قد يكون مهمة الفرصة الأخيرة لـ لودريان لإنقاذ التايتنيك اللبنانية وإمكان ضياعها خلف غبار الأحداث الفرنسية التي حوّلت الاليزيه خلية طوارئ عيْنها على حُطام الخراب الجوّال ومنْع تَمَدُّد بقعة زيتِ الشغب المتوحّش، وليس انتهاءً بتَقَصي أحوال أكثر من 210 آلاف لبناني يعيشون في فرنسا.

وفي حين لم يكن صدر عن الخارجية اللبنانية أي تحذير أو توصيات للبنانيي فرنسا جراء الاحتجاجات العنيفة المتفاقمة، نشط أبناء «بلاد الأرز» كلٌّ عبر قنواته المعهودة في «ديبلوماسية الاطمئنان» الشعبي على مَن هم في باريس وضواحيها وفي «أحزمة النار»، فيما تولى الذين يعيشون في أحضان «الأم الحنون» تشكيل «خلية تواصل» بين بعضهم البعض لتأكيد «الأمان».

وفي موازاة إسقاطاتٍ لبنانية على مواقع التواصل استوقفها استيقاظ تناقضاتٍ في الواقع الفرنسي، تراكمتْ لتشكل «صفيحاً ساخناً» قابلاً للتحرّك عند أي هزةٍ، فإن بين اللبنانيين الموجودين في فرنسا مَن بدوا متفاجئين بسرعة انزلاق بلدهم الثاني إلى توتراتٍ بالغة الخطورة مع انفجار «القنبلة الموقوتة» التي لطالما شكّلها سكان الضواحي (وهم من المهاجرين بنسبة 90 في المئة) الذين عانوا التهميشَ الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، المتعمّد أو غير المقصود، ونظرةً نَمطية إليهم حدّت من إمكاناتِ اندماجهم الفعلي واستفادتهم من تكافؤ الفرص.

ولكن الأحداث الصاعقة لم تقيّد قدرة اللبنانيين في فرنسا على التكيّف التلقائي مع «الحال الطارئة»، هم الذين خاضوا و«باللحم الحي» أكثر من «تمرين نار» حقيقي في وطنهم الأم وأفلتوا من رماده، وكانوا «استشرفوا» حتى تشظيات الحرب في أوكرانيا بتحويل منازل العديد منهم «مخازن» للمواد الحيوية والاحتفاظ بـ «الكاش» تحسباً وتحضير «الخطط ب» التي يتقنونها بحال بدء تقنينٍ كهربائي، قبل أن «يبرْمجوا» حياتهم مباشرةً مع دخول فرنسا «الزمن اللاهب»، قصرت مدته أو طالت.

ومَن تواصل مع لبنانيين في فرنسا، وجَدهم حزينين على بلدٍ لم يعتقدوا أنه «سهل العطَب» ربما مثل وطنهم الأصلي، ولكنهم لم ينجرفوا وراء ما عبّرت عنه المشاهد التي أخافت «أبناء البلد» وليس اللبنانيين الذين ألفوا المظاهر المسلّحة في الشوارع ومقدّمات الأمن الذاتي، ويمكنهم تقديم «دوراتٍ» في كيفية درء أي خطرٍ «يشتمّون رائحته» عن بُعد باعتبارهم «خرّيجي» صراع بقاء عمره عقود.

ولم يحجب هدير «الانفجار الفرنسي» دويّ امتناع لبنان عن التصويت في الأمم المتحدة مع قرار تشكيل هيئة مستقلة لجلاء مصير المفقودين في الحرب السورية، والذي اعتُبر بمثابة إدارة ظهر نافرة لملف مزمن عالق مع النظام السوري اسمه المعتقلون والمخفيون قسراً في السجون السورية (أكثر من 600).

ولم يهدئ تبرير الخارجية اللبنانية هذا القرار وإخراج القضية من سياق مشكلة سياسية وأخلاقية ووطنية بين بيروت والنظام السوري من غضبة مَن أدانوا هذه الخطوة التي جاءت بالتشاور مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي والتي عُزيت (وفق بيان الخارجية) إلى «التماشي مع شبه الإجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبةً بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بامتياز، وانسجاماً مع سياسة عدم الانجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل ولا يحل قضية المفقودين اللبنانيين».

وفيما قال الوزير عبدالله بوحبيب إنّ «لبنان دائماً يتقيد بقرارات الأمم المتحدة، ونحن مستعدون للتعاون مع الآلية التي سيقرها بيان الأمم المتحدة، وما بدنا نكسر الجرة مع حدا ولو صوّتنا أو لم نصوت لن تتغير النتيجة»، شنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع هجوماً عنيفاً على قرار الامتناع الذي وصفه بأنه «مخز جداً وعار ما بعده عار».