كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:
لم يكن أكثر تعبيراً عن حالِ انعدامِ الوزن التي يعيشها لبنان من ارتسام «مثلثٍ حدودي» مخيف في الساعات الماضية، عَكَسَ قابليةَ الواقع المحلي للاشتعال، سواء بـ «فتيلٍ» داخلي أو إقليمي، فيما الانهيارُ المالي يواصل التشظي وإن مع «تبريدٍ» ظاهريّ لسطح الحريق الكبير الذي يستعر منذ 40 شهراً.
فمن الأزمةِ الرئاسيةِ التي تتقاطعُ كل المؤشراتِ عند أنها باتت متفلّتةً من كل حدودٍ زمنيةٍ وأن أقرب مواعيد محتملة لـ «معجزةِ حلٍّ» هو الخريف، مروراً بالنزاع الحدودي المزمن فوق قمة الـ 3088 متراً بين قضاءيْ بشري والضنية (المنية) الذي استيقظ دموياً يوم السبت، وصولاً إلى الحدود مع إسرائيل والصراع حول مزارع شبعا المحتلة والذي يلوح جمره من تحت خيمتيْن تبادلت تل أبيب و«حزب الله» التهديدات حولهما… 3 عناوين تشابكت في الساعات الماضية.
ومع «الرياح المُعاكِسة» لمَهمة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في ما خص الأزمة الرئاسية، يشدّ الجميعُ الأحزمةَ في الداخل تَحَسُّباً لارتداداتِ المزيدِ من استنزافِ الوقت لبنانياً فيما انطلق العدّ العكسي لـ «دومينو» فراغاتٍ في مؤسساتٍ حيويةٍ بحُكْم انتهاء الولاية والإحالة على التقاعُد:
– بدءاً من حاكمية مصرف لبنان (نهاية تموز) والتي ستؤول إلى النائب الأول وسيم منصوري (شيعي) الذي سيقبل تسلُّم هذا الموقع من رياض سلامة بموجب ما يشبه «أمر مهمة» للثنائي الشيعي ذات أبعاد تتصل بعملية «لي الأذرع» حيال الملف الرئاسي، والذي تقاطعت فيه الأحزاب المسيحية من مختلف المشارب على رفْض ترشيح سليمان فرنجية، عبر رمي إشكاليةٍ حساسة تتعلق بانتقال مواقع مسيحية إلى أيدي غير مسيحيين بالإنابة.
– وليس انتهاءً بإحالة قائد الجيش العماد جوزف عون على التقاعد في كانون الثاني المقبل، والتعقيدات المتّصلة بمَن يحمل راية القيادة ما لم يكن تم انتخاب رئيس وتالياً تعيين خلَف لرأس المؤسسة العسكرية، ولا سيما في ظل الشواغر الحالية في المجلس العسكري في قيادة الجيش التي تجعل «انتقال السلطة» إلى رئيس الأركان كما ينص القانون متعذّرة، وسط متاريس سياسية مرتفعة بين مكونات حكومة تصريف الأعمال تحول دون ملء هذه الشواغر وتوفير «هبوط آمن» لِما بعد العماد عون.
ولا شك في أن لا مصلحة لبنانية بأن يتمدّد الشلل أو الصراع المعلَن إلى آخِر «صمام أمان» في الوضع المحلي يشكله الجيش الذي وُضع أول من أمس، أمام اختبارٍ بالغِ الدقة مع التوتّر العالي الذي ساد بين منطقتيْ بشري والضنية (بقاعصفرين) على خلفيةِ تَجَدُّد الخلاف الحدودي (عمره عقود) حول «القرنة السوداء» (أعلى قمة في لبنان والشرق الأوسط والنطاق العقاري – الإداري الذي تقع ضمنه)، بعد مقتل شخصيْن من بشري في واقعةٍ لم تُحسم كل ملابساتها بعد، رغم ما استدعتْه من استنفارٍ على أعلى المستويات لاحتواء ما برزت الخشية من أن يتحول جاذبة صواعق سياسية وطائفية، أو أن يكون «لغماً» يُراد أن ينفجر بمجمل الواقع اللبناني ويدشّن مرحلةَ تسخينٍ للأرض يُستدرج الجميع على وهجها إلى طاولة حوار حول الملف الرئاسي «على الحامي».
وبدا من «التأهب» السياسي، أن الجميع استشعروا مخاطر فتْح ما قد يكون «صندوقة باندورا» بحال تم العبث بمسرح جريمة القرنة السوداء، حيث قُتل بدايةً هيثم طوق ثم مالك طوق في ظروف لم تُحسم بالكامل بعد، وترْكها لـ «الرؤوس الحامية».
ولم يحجب هذا الملف على خطورته الأنظارَ عما اعتبرتْه اسرائيل موقعاً عسكرياً مكوّناً من خيَم عدة أقامه «حزب الله» (قبل نحو شهرين) «على الجانب الإسرائيلي من الحدود في مزارع شبعا» المحتلة، أو هاردوف وفق التسمية الإسرائيلية.
وبعدما كانت تل أبيب قابلتْ هذا التطور بتوجيهها شكوى إلى الأمم المتحدة، محذّرة من أنها «ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء الموقع»، رَفَع الحزب نبرته بوجه اسرائيل، محذراً إياها بالردّ في حال أي استهداف للخيَم، وصولاً لإعلان رئيس كتله نوابه محمد رعد متوجّهاً إلى «العدو»، «إذا ما بدك حرب سكوت وتضبضب».