نظمت رابطة قنوبين للرسالة والتراث وجماعة الراهبات الأنطونيات، برعاية وحضور البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، إطلاق برنامج الحج الديني في نطاق حديقة البطاركة، الديمان- وادي قنوبين، و”درب البطريرك الراعي”على كتف الوادي، وادراج معالم الديمان الدينية على خريطة السياحة الوطنية والدولية. جاء إطلاق البرنامج، بعدما ألغت رابطة قنوبين كل المظاهر الإحتفالية للمناسبة نظراً للأوضاع الطارئة في مدينة بشري، وتضامناً مع عائلتي هيثم ومالك طوق. واقتصر الإحتفال على قداس تبعه لقاء في صالون الصرح البطريركي، بمشاركة الوزير نصّار والنائب جورج عطالله، والمطرانيين حنا علوان وبول مروان تابت، المحامي روي عيسى الخوري، وفد المجلس العام الماروني برئاسة المهندس ميشال متى، ورئيس رابطة قنوبين نوفل الشدراوي وأعضاء مجلس أمنائها ورئيسة جماعة الراهبات الأنطونيات الأخت لينا الخوند، والخوري نافذ صعيب ومختار الديمان ريمون البزعوني، ورئيس نادي الديمان الزميل أنطوان فرنسيس ووفد تجمع “رابطة لبكرة” وحشد من أبناء الديمان المقيمين والمنتشرين والمهتمين.
في صالون الصرح، كانت كلمة للمختار البزعوني، جرياً على التقليد السنوي القاضي بمشاركة رعية الديمان في القداس الأول للبطريرك الراعي حين ينتقل الى الديمان. رحّب فيها بالبطريرك، وسأله “متابعة تحقيق مبادرة تمليك أهالي الديمان المنطلقة منذ سنة 1986”.
ثم ألقى الشدراوي، كلمة رابطة قنوبين، وجاء فيها: “إن برنامج الحج الديني يعزز الحياة في قنوبين، باستقطاب المزيد من الحجاح اليها، ويتيح التنمية للسكان المحليين. وقد وضعت رابطة قنوبين للرسالة والتراث، بالتعاون مع جماعة الراهبات الأنطونيات، خطة علمية عملية نبدأ بتطبيقها بعد إطلاق هذا البرنامج اليوم رسمياً، تقوم على توفير مقتضيات الحج الديني من خلال المطبوعات الإرشادية والتاريخية، وتوفير شروط العناية الطبية الطارئة واستضافة الزوار ومرافقتهم وتعريفهم على تراثنا، وتسويق الإنتاج المحلي مأكلاً ومشرباً وحرفاً مهنية”.
ثم كانت كلمة رئيس الديوان في كرسي الديمان الخوري خليل عرب الذي قال: “لقد قمنا اليوم بجولة جمعت خصائص الجغرافية وحقائق التاريخ. في الجغرافية شملت جولتنا مواقع مار سركيس في حي كفرصارون، ومار يوحنا مارون في حي الديمان، ومار اسطفان في حي بريسات، حيث حديقة البطاركة. وهذه المواقع الجغرافية الثلاثة تحتضن حقائق تاريخية متصلة بانتقال البطاركة الموارنة من وادي قنوبين الى الديمان، وباقامتهم فيها، وبقيام كيان الديمان البشري والرعوي والاجتماعي. ومسيرة الديمان هي جزء من المسيرة الكبرى المتمثلة بتجربة قنوبين حيث أقام البطاركة ما يقارب أربعمئة سنة ، حقبةً تبلورت خلالها عناصر الروحانية المشرقية ومقومات الهوية المارونية. وازاء هذا الارث الكبير اطلقت البطريركية المارونية المبادرات التنظيمية المتعددة للاحاطة به، وللحفاظ عليه واتخذت هذه المبادرات بعداً واسعاً متجدداً بتوجيه غبطة أبينا البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي، الذي أطلق، من جملة الكثير الذي أطلقه، مشروع تجديد الحياة الروحية في رحاب قنوبين، ومبادرة اليوم تندرج في هذا السياق. وانني باسم رعية الديمان أتوجه بالشكر لمن أعدّ، رابطة قنوبين والراهبات الأنطونيات، ولمن أصدر قرارات تنظيمية، معالي الوزير نصار ولمن وجّه واعتنى غبطة أبينا الكردينال الراعي. وأسأل الله أن يحقق هذا البرنامج غاياته الروحية، والثقافية، والانمائية”.
اختتاماً كانت كلمة البطريرك الراعي، الذي قال: “باسم الحاضرين جميعاً، نايبنا العزيز جورج عطالله، ابن الديمان بالنصف الأهم، باسم رابطة قنوبين للرسالة والتراث والراهبات الأنطونيات في حديقة البطاركة، وكل أهالي الديمان نقول شكراً لمعالي الوزير المهندس وليد نصّار، لجهوده وعنايته بالسياحة الدينية. وقد جاء اليوم ليزور مواقع الديمان الدينية ويعلن إدراجها على الخريطة السياحية. ونحن نعلم مدى اهتمام الوزير نصّار بالحج الديني والوطني، ونتمى له التوفيق في تحقيق تطلعاته، وهي تطلعاتنا أيضاً”.
أضاف: “ان الله أوجد لبنان أرضاً للسياحة بجمالاتها وفراداتها المتعددة، للسياحة الدينية والمدنية، وهي سياحة تعددية تشبه التعددية الاجتماعية والسياسية التي يعرفها لبنان. وهذه تعود الى خمسة آلاف سنة قبل المسيح، مذ توالت حضارات وشعوب على لبنان تاركة آثارها المتنوعة فيه، وها هي وزارة السياحة، ورابطة قنوبين للرسالة والتراث، التي أحيّي رئيسها وأعضاءها فرداً فرداً، في هذه المنطقة، تعطيان الحياة لهذه الآثار التاريخية. وأعطي مثلاً حين كنّا نزور حديقة البطاركة سابقاً كنّا نرى آثار حجر وتماثيل ترمي الرهبة أحياناً، أمّا اليوم فلم تعد الحديقة حاضنة للآثار فقط بل باتت حيّة، الى جانب احتضانها التماثيل برمزيتها ، بفضل جهود رابطة قنوبين وجماعة الراهبات الأنطونيات”.
وتابع البطريرك الراعي: “من فرادات السياحة في لبنان أنّها طبيعيّة متصلة بصميم هويته، التي شاءها الله، بينما نراها في دول كثيرة اصطناعيّة من صنع الانسان. وواجبنا المحافظة على هذه النعمة الإلهية للبنان. وهنا تكمن أيضاً مسؤولية السياسيين لجهة تعزيز السياحة، التي تشكل مورداً اقتصادياً وطنياً هاماً، كما تشكل عنصر تربية وتثقيف لأجيالنا، فتؤهل هذه الأجيال على العناية بهذا التراث الثروة التي تزرع الفرح وتنمي الموارد”.
وختم البطريرك الراعي مجدداً شكر الوزير نصار على عنايته واهتمامه، آملاً في “الإنفراج السياسي الوطني الذي يسمح بتحقيق كل المبادرات الإيجابية للبنانيين”.
ثم انتقل الجميع الى مكتبة الوادي المقدس، ومطل صخرة الدبس حيث المجسّم التذكاري “لدرب البطريرك الراعي” المؤهلة من نطاق المكتبة الى مغارة الجماجم في موقع مار سركيس، الذي يحتضن رفات شهداء مجزرة المماليك في كفرصارون (الديمان) بهجومهم على جبّة بشري 1282. وقد رفع عليها صليبٌ مضاء يشرف على وادي قنوبين. ومن هناك الى مجمّع مار يوحنا مارون حيث أقام البطاركة الموارنة في سياق انتقالهم من وادي قنوبين الى الديمان، واطلاع على الكنيسة البطريركية، التي بناها البطريرك يوسف حبيش سنة 1833، وعلى موجوداتها الثقافية، وعلى الكرسي البطريركي، الذي بناه البطريرك يوحنا الحاج سنة 1890. وكان عرض لمشروع إقامة متحف في قاعة الكنيسة على مدخل وادي قنوبين تجمع فيه وتعرض مقتنيات الكنيسة الأثرية ورفات الخوري طنوس فرح فرنسيس، من الديمان، الذي قضى شهيد العلم والفضيلة سنة 1857.