Site icon IMLebanon

إنفراج سياحي وجحيم سياسي

كتب ناصر زيدان في “الأنباء” الكويتية: 

تغلب على المشهد اللبناني صورتان متناقضتان إلى حدود بعيدة، الأولى سياحية وفيها فرح وحياة وتذكير بأيام العز والرخاء، والثانية سياسية تغلب عليها مشهدية الأمواج العاتية المتلاطمة والقاتمة والتي تنذر بشر مستطير، لكن هناك اتفاق عام على تمضية الصيف الواعد بهدوء وسلام، ولا نية عند أي من الأطراف حرمان أبناء الوطن المنكوبين من نعمة الاستفادة من عائدات الموسم، برغم التهديدات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب.

تقول التقارير الصادرة عن مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت إن ما يزيد عن 20 ألف راكب يدخلون إلى لبنان يوميا عبر المطار، ومعظمهم من السائحين العرب والأجانب، ومن المغتربين اللبنانيين القادمين لتمضية الصيف في ربوع الوطن الجميل. ومشاهد الزحمة على الطرقات الرئيسية، كما الحشود المصطفة أمام ساحات المهرجانات الصيفية في بيروت والمناطق، وفي صالات المطاعم وعلى دروب المحميات الجبلية وفي القصور الأثرية، تؤكد أن مميزات لبنان السياحية والتراثية ليس لها بديل في أي مكان آخر. وقد بانت مظاهر الانتعاش الاقتصادي لدى العديد من المؤسسات السياحية والتجارية منذ الأيام الأولى للصيفية الواعدة.

أما على المقلب الآخر من المشهد، فيبدو الجحيم السياسي ضاربا عرض الحائط، ويحتل لبنان موقع الصدارة بين الاختناقات المالية والاقتصادية على المستوى العالمي، والخلافات تفرخ كنبتات الفطر السام، فلا نكاد ننتهي من واحدة منها، لتظهر واحدة أخرى أكثر إيذاء. وما برز من تباين وخلافات حول حاكمية مصرف لبنان بمناسبة انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، يؤكد على هذه المشهدية القاتمة، وإذا لم ينجح مجلس وزراء تصريف الأعمال في تعيين حاكم جديد للمصرف، سنكون أمام سابقة لم تحصل في تاريخ لبنان، بحيث سيتولى نائب الحاكم «الشيعي» المسؤولية بموقع كان عرفا من حصة الموارنة منذ تأسيس الجمهورية، وسط أسوأ أزمة مالية تعيشها الدولة منذ ولادتها قبل أكثر من مائة عام.

وكما هو حاصل في ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن التوافق متعذر حتى الآن حول الحلول المطروحة لتلافي الفراغ في منصب حاكم مصرف لبنان، لأن النائب الأول للحاكم وسيم منصوري، والذي يجب أن يحل محل الحاكم بعد شغور المركز في 30 الجاري، وقع على البيان الذي أصدره نواب الحاكم الأربعة، وهددوا فيه بالاستقالة إذا لم يتم تعيين حاكم بديل قبل نهاية الشهر. ومن الواضح أن قوى سياسية تقف خلف بيان نواب الحاكم، وهي تضغط على الحكومة لتعيين حاكم، برغم أنها حكومة تصريف الأعمال، ويقول هؤلاء إنه لا يوجد أي عائق دستوري أمام إجراء عملية التعيين كونها ضرورية لتصريف أعمال الدولة، بينما تقف قوى أساسية أخرى ضد التعيين قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي طليعة هؤلاء حزب الله والتيار الوطني الحر وحزب الكتائب.

وقد ازداد الوضع السياسي والأمني تعقيدا في لبنان بعد دعوة البطريرك بشارة الراعي لعقد مؤتمر دولي لإنقاذ الدولة، وتعتبر قوى الثنائي «الشيعي» أن الدعوة تعتبر استدعاء للتدخل الخارجي بالشؤون الداخلية، وهو أمر مرفوض عندها. كما أن القوى السيادية ـ لاسيما المسيحية منها ـ رفضت الاقتراح الذي نقل عن الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان لعقد طاولة حوار بين رؤساء الكتل النيابية في مجلس النواب، لأن ذلك سيكرس برأيها عرفا يفرض الاتفاق على اسم الرئيس قبل إجراء عملية الانتخاب من جهة، ولأن الحوار قد يفتح الباب أمام مناقشة اقتراحات أخرى تتعلق بتغيير تركيبة النظام وتعديل اتفاق الطائف من جهة ثانية، برغم أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قال: ان حزب الله ضد أي بحث بتعديل الطائف، ولا يسعى إلى أي طرح من هذا القبيل.

تباين كبير في الرؤى حول المستقبل، وسط جحيم سياسي وأمني ومالي مخيف.