كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
يضع حزب الله مصطلح الحوار، كشرط مسبق او مطلب اساسي، لإنهاء مأزق الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، ويرفق هذا الشرط بتعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس مع حلفائه، في الوقت الذي يؤكد تمسكه بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، برغم حيازته أصواتا نيابية أقل من مرشح المعارضة والتيار الوطني الحر، في جلسة الانتخابات الرئاسية الاخيرة.
أبقى الحزب الدعوة للحوار مغلفة بالغموض والريبة، وليست محصورة بهدف محدد وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما اثار شكوكا والتباسات، لدى المعارضة وخصومه السياسيين، عن ابعاد هذه الدعوة ومراميها المخفية في هذا الظرف بالذات، لاسيما بعد سلسلة من المواقف والدعوات التي ترددت طوال الاعوام السابقة، لتغيير النظام وتعديل اتفاق الطائف، تحت عناوين وحجج، بأنه لم يعد ملائما لادارة السلطة، ولا يلبي طموحات اللبنانيين بقيام نظام سياسي يتماشى مع المتغيرات المحلية والاقليمية وموازين القوى الناشئة عنها.
يحاول الحزب من خلال دعوة خصومه السياسيين للحوار ظاهريا، اعطاء انطباع وهمي ومزيف للداخل والخارج، باتباعه اسلوب الانفتاح والاقناع، لانتخاب رئيس الجمهورية، بدلا من ممارسة سياسة الترهيب والتهديد بالسلاح التي طبعت سلوكياته وسياساته على الدوام، وذلك للتغطية على قيامه بالتعطيل المبرمج لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، بينما اهدافه الباطنية تؤشر الى ان فضاء الحوار الذي يحاول استدراج خصومه اليه، ابعد من الانتخابات الرئاسية، ويخفي في طياته استنساخ مكتسبات اتفاق الدوحة، بنسخة جديدة واعراف مستحدثة، تكرس نفوذ الحزب وهيمنته باطار شرعي، خلافا للدستور والقوانين. يفترض بانعقاد الحوار، اي حوار، توافر عوامل اساسية وضرورية، لتأمين نجاحه وتحقيق الاهداف المرجوة منه، اولها تحديد المواضيع والملفات المطروحة مسبقا بوضوح ودون اي التباس او غموض، وثانيا موافقة كل الاطراف السياسيين الأساسيين على المشاركة والحضور، وثالثا عدم تجاهل او تغييب قسري او ظرفي، لاي طرف او مكون اساسي بالتركيبة السياسية والطائفية اللبنانية.
هذه العوامل الثلاثة غير متوافرة حتى اليوم، في اطار الغموض الذي يلف مواضيع التحاور، ورفض المعارضة ومكونات اخرى، الموافقة على تلبية دعوة الحزب، لانتفاء الاسباب المقنعة والموضوعية لمثل هذه الدعوة والشكوك التي تلف اهدافها المخفية، وانعدام الثقة بالحزب كليا، جراء انقلابه على كل قرارات اللقاءات الحوارية السابقة، وتملصه من تنفيذها، واخيرا اختلال موازين القوى السياسية في الحوار، بغياب المرجعية السنيّة الوازنة التي تمثل السنّة، كطرف أساس في المعادلة السياسية والطائفية على طاولة الحوار، بفعل غياب زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، وهو الطرف الذي يمثل السنّة سياسيا وشعبيا على مستوى لبنان كله في التركيبة السياسية، بسبب تعليق عمله السياسي وغيابه بالخارج، بينما يلاحظ ان أياً من السياسيين السنّة الحاليين، أكانوا في موقع رئاسة الحكومة والوزراء او النواب المنتخبين حديثا، لا يشكل بديلا ولا يحظى بتأييد شعبي مماثل او حتى مقبول، يمنحه الغطاء المطلوب لتمثيل السنّة في اي لقاء او مؤتمر حواري، ما يجعل نتائجه وقراراته غير مضمونة التنفيذ ومعرضة للاعتراض والرفض والمقاطعة.
من هنا تبقى اي دعوة للحوار، يتم التداول فيها مباشرة بالداخل أو بتحريض الخارج، بغياب هذه العوامل الثلاثة الاساسية، في اطار التحرك الفرنسي او غيره، باعتباره مدخلا لحل الازمة الذي يتخبط فيها لبنان حاليا كما يسعى الحزب لذلك، صعبة ومعقدة، وتكاد تكون مستحيلة، لاسيما اذا اقترن باطنها، ببوادر تعديل الطائف، او منح حزب الله مكتسبات سياسية شرعية او أعراف على حساب الدستور ومصلحة الدولة والشعب اللبناني، مع تنامي رفض اطراف، مسيحيين ومسلمين مؤثرين ومرجعيات دينية بالداخل ودول عربية لمثل هذا الطرح. اما اذا تم فرض الحوار تحت ضغوطات وبأساليب ترهيبية، كما حصل في السابق او بطرق ملتوية او غيرها، خارج الإطار المعهود، يكون منقوصا، وغير مضمون التنفيذ، والنتائج، وقابلا للنقمة واثارة المزيد من المشاكل والاهتزازات السياسية والطائفية، حاضرا ومستقبلا، ويدفع لبنان الى مصير مجهول.
لذلك، وفي ضوء هذه الوقائع والاعتراضات، التي تواجه التجاوب مع دعوة حزب الله لحوار ملتبس ومشكوك باهدافه وابعاده، يتمسك الحزب بمرشحه سليمان فرنجية للرئاسة، ويُبقي الانتخابات الرئاسية معطلة، ما يعني ضمنا، ان دعوة خصومه للحوار، هي الذريعة والواجهة التي يتلطى وراءها لتعطيل الانتخابات الرئاسية، كما عادته لدى حلول اي استحقاق رئاسي او حكومي مهم في لبنان، لإبقاء هذا الاستحقاق المهم رهينة الصفقات والمصالح الايرانية مع الولايات المتحدة الأميركية تحديدا. لأنه لو كان الحزب جادا في دعوته للحوار، للتفاهم والاتفاق على اسم مرشح رئاسي يحظى بتأييد اكثرية الاطراف المعنيين، لاختصر الوقت والمسافة بخطوات عملية ومشجعة، لمد جسور التواصل وبناء الثقة المفقودة أساسا بينه وبين المعارضة والرافضين من حلفائه السابقين، وانجز هذا التوافق، في المجلس النيابي، الذي تلتقي فيه جميع الكتل، بدون حواجز او معوقات، ولكنه لم يفعل وابقى دعوته للحوار ذريعة، للاستمرار بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس واطالة امد الفراغ الرئاسي، كسباً لمزيد من الوقت، بانتظار الافراج عن الانتخابات الرئاسية من طهران، وقد يطول هذا الأمر اكثر من المتوقع، بينما بدأ الفراغ الرئاسي ينسحب على تفريغ كبار موظفي المؤسسات والادارات العامة، التي تشكل الركائز الاساس لوجود الدولة اللبنانية، أكان في المصرف المركزي، او الجيش اللبناني.
يحاول الحزب من خلال دعوة خصومه الى حوار ملتبس لتحقيق ما يسعى اليه دوما، من مكتسبات تتجاوز الدستور، وفي حال الرفض اطالة امد الفراغ الرئاسي قدر الامكان، وفي كلتا الحالتين، يبقى الهدف إضعاف وجود الدولة ومؤسساتها، لتسهيل استمرار مد نفوذه وتوسيع هيمنة سلاحه غير الشرعي، على حساب سلطة الدولة، وهذا ما بدأ يحصل بالفعل جراء تداعيات الفراغ على مؤسسات وتركيبة الدولة ككل.