كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
تحوّل انتشار شريط يظهر تعرض أطفال لأعمال عنف في دار للحضانة في المتن الشمالي في لبنان، إلى قضية رأي عام لما حمله من مشاهد قاسية لا تمت إلى الإنسانية بصلة بحق من لا تتجاوز أعمارهم الأشهر القليلة، وارتفعت الأصوات المطالبة بمحاسبة الفاعلين، وإنزال أقصى العقوبات بهم.
الإجراءات الأولية التي اتُخذت في الساعات الأولى لانتشار مقاطع الفيديو عكست جدية في تعاطي الجهات المعنية مع الموضوع، إنما تبقى العبرة في ما ستذهب إليه التحقيقات وكيفية محاسبة المسؤولين في بلد تبقى فيه الحقيقة دائماً طي الكتمان.
وأعلنت قوى الأمن الداخلي عبر حسابها على «تويتر» أنه «في سياق التحقيق من قبل مفرزة الجديدة القضائية على أثر انتشار فيديو هزَّ الرأي العام، وأظهر استياءً حول تعرّض أطفال للضرب والتعنيف داخل إحدى دور الحضانة، أُوقف ليل 10 تموز كل من المدعوّتَين (د.ح.) (مولودة سنة 1979) و (ط.م.) (1985)، مشيرة إلى أن التحقيق مستمرّ بناءً لإشارة القضاء.
من جهته، أكد وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض لـ«الشرق الأوسط» أن الوزارة ستقوم بكل الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال ومنع تكرار ما حدث، وليكون العقاب عبرة لمن اعتبر، وذلك بعد اتخاذ القرار بإقفال الحضانة وسحب رخصتها.
وبانتظار ما ستنتهي إليه التحقيقات فإن أهالي الأطفال المعنفين يتحركون على أكثر من خط رافعين المطلب عينه وهو محاسبة جميع المسؤولين في الحضانة، بمن فيهم المربية المعنّفة والمديرة كما الموظفة التي سرّبت الفيديوهات، بعد تركها العمل، «أي أنها لم تكشف ما حدث إلا بعد الخلاف مع إدارة الحضانة وليس لأسباب إنسانية» وفق تعبير إحدى الأمهات التي رفضت الكشف عن اسمها.
هذه الأم التي رأت طفلها عبر الفيديوهات المسربة وهو يتعرض للعنف، لا تستطيع أن تحبس دموعها عند الحديث عما حدث، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقبل بتخفيف الحكم أو تبرير الفعل، تجب معاقبتهم بالطريقة الوحشية نفسها التي كانوا يعاملون بها أطفالنا… ونحن الذين وضعنا بين أيديهم أغلى ما لدينا في هذه الحياة… يجب إعدامهم ليكونوا عبرة لغيرهم».
وتشير الأم إلى «أن ابنها الذي لا يتعدى عمره السنة ونصف السنة لا يتكلم بشكل جيد، وبالتالي لا قدرة له على التعبير والقول ماذا يحدث معه، في حين أن مديرة الحضانة كانت تؤكد لها في كل مرة تسأل عنه، أن وضعه جيد جداً». وتلفت من جهة أخرى إلى أن ابن قريبتها دخل الحضانة قبل أشهر وكان قد بدأ يتكلّم قليلاً لكن بعد أسابيع تراجع كلامه بشكل كبير بدل أن يتطوّر، وهو ما يطرح علامة استفهام حول تعرضه لأمر ما».
وفي المقابل، أكد وزير الصحة لـ«الشرق الأوسط» أن الوزارة ستقوم بكل الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال، ومنع تكرار ما حدث متحدثاً في الوقت عينه عن ضغوط اجتماعية ومعيشية يرزح تحتها المواطنون قد تؤدي في بعض الأحيان إلى ردود فعل عنيفة، أي أنه ليس من الضروري أن يعاني الشخص الذي يعنّف من أمراض نفسية، «وهذا لا يعني أننا نبرّر ما حدث»، وفق تأكيده.
وفي حين أشار الأبيض إلى أنه سيجري إخضاع جميع الأطفال في الحضانة التي أقفلت للفحص الطبي، أوضح أن وزارته تعمل على التشدد في مراقبة دور الحضانة وإجراء الزيارات المفاجئة من فريق وزارة الصحة للتأكد من الالتزام بالمعايير والشروط المطلوبة من مختلف النواحي، وضرورة أن تضع إدارة الحضانة الكاميرات كي تتسنى المراقبة، متوقفاً كذلك عند ضرورة تحسين ظروف عمل العاملات في دور الحضانة.
ولفت الأبيض من جهة أخرى إلى أنه لا عودة إلى قرار السماح بوضع الكاميرات المفتوحة لتتسنى للأهالي مراقبة أولادهم عن مسافة عبر تطبيقات معينة، وهو المطلب الذي رفعه البعض في لبنان في الساعات الأخيرة بعدما كانت قد اعتمدته الحضانات في سنوات سابقة قبل أن يُتخذ قرار بمنعه، مؤكداً أن إجراءً كهذا هو تعدٍّ على خصوصية الأطفال، حيث إن مراقبة الأهل لا تقتصر على ابنهم فقطـ إنما تطول جميع الأولاد وهو ما ليس مسموحاً به».
وفي مؤتمر صحافي عقده بعد ترؤسه الاجتماع الطارئ للجنة حماية الأحداث، أعلن وزير الصحة أنه «تقرر سحب رخصة الحضانة، حيث تعرض الأطفال للعنف وجرى إقفالها نهائياً»، مشيراً إلى أن «هناك شركاء دوليين بهذا الملف بالتعاون مع الوزارات المعنية والنقابات والأزمات لا تُبرر أي تعرّض للأطفال والتعامل معهم بأي طريقة مخالفة لحمايتهم».
وكان لرئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبد الله تعليق على الفيديو الذي أظهر المربية وهي تقوم بتعنيف الأطفال جسدياً ولفظياً خلال إطعامهم، واصفاً ما حدث بـ«الفضيحة المدويّة التي تفرض إجراءات صارمة ورادعة من الجهات الإداريّة والقضائيّة المعنيّة، والتّشدّد بالمراقبة من قبل وزارة الصحة؛ كما تتطلّب متابعةً وإشرافاً دائماً من قبل الأهل». وأكد أن «هذا الملف سيكون من ضمن أولويّاتنا كلجنة صحّة نيابيّة بالتّعاون مع وزارة الصحّة».