كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
يرقد الاستحقاق الرئاسي في العناية السياسية المركّزة، بانتظار الوصفة العلاجية التي يعوّل على الموفد الفرنسي جان إيف لودريان أن يحملها في حال عاد ثانية الى بيروت هذا الشهر، حيث ان هناك من يخشى أن تؤجل هذه الزيارة في حال شعر رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق ان المناخات الإقليمية والدولية ما تزال غير مؤاتية، بعد أن وصل الى قناعة تامة باستحالة انتخاب رئيس للجمهورية بمحض إرادة الكتل السياسية في لبنان بفعل موازين القوى الموجودة في المجلس النيابي والتي تحول بفعل الانقسام العامودي في البلد من إنجاز الاستحقاق الرئاسي من دون توافق مسبق على ذلك.
وإذا كان لم يسجل للودريان أي حراك علني بعد أن غادر بيروت حاملا في جعبته كل ما سمعه من أفكار وطروحات لدى كل من التقاهم، فإنه بالتأكيد أودع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تقريره المبني على مسلّمة أساسية مفادها ان انتخاب الرئيس في لبنان متعذّرا حصوله من دون الحوار الداخلي والمساعدة الإقليمية والدولية، وان خلاف ذلك يعني تمدّد الشغور الرئاسي أشهرا إضافية، مع خوف شديد من الدخول بمتاهات لا تحمد عقباها على أصعدة كثيرة، تتعلق بمسألة ملء المراكز الشاغرة وتلك التي ستشغر نهاية هذا الشهر،
أو بعد أشهر قليلة، مصرفيا وعسكريا وأمنيا، والتي تتطلب معالجتها وجود رئيس في قصر بعبدا.
يدرك الرئيس ماكرون، الذي ما زال يعطي حيّزا من وقته للوضع في لبنان رغم انشغالاته بمعالجة ذيول الأحداث التي عصفت بالعاصمة الفرنسية، ان اليد الفرنسية لا تستطيع أن تحيك تسوية للأزمة في لبنان وأنها بحاجة ليد أخرى موجودة لدى دول أخرى لها تأثيرها في الواقع اللبناني كالمملكة العربية السعودية وإيران، وهو لذلك يتوقع أن يوفد لودريان الى هذه الدول قبل عودته الى بيروت حاملا الى المعنيين في هذين البلدين تصوّرا فرنسيا للحل يقوم على بلورة صيغة لحوار بين القوى السياسية للخروج باتفاق على اسم رئيس الجمهورية، علما ان ماكرون نفسه كان قد بحث الملف اللبناني مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال وجوده مؤخرا في باريس ولم يحصل منه على أجوبة واضحة حول رؤية المملكة للحل في لبنان، كما ان المسؤولين الإيرانيين أكدوا أكثر من مرة ان انتخاب رئيس هو شأن لبناني وان طهران توافق على ما يوافق عليه «حزب الله»، وهو ما يفسّر بأن التفاهم الإيراني – السعودي الذي تمّ الإعلان عنه في الصين لم تسر مفاعيله بعد على الوضع اللبناني.
من هنا فانه من غير المتوقع أن يحمل لودريان معه سوى دعوة فرنسية للكتل السياسية للجلوس على طاولة حوار لم يعرف بعد شكلها ومن سيرعاها، أهي فرنسا بذاتها أم ستوكل المهمة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينتظر عودة الموفد الفرنسي بفارغ الصبر «كي يبني على الشيء مقتضاه في الملف الرئاسي لجهة الحوار ومكانه وشكله وزمانه أو لجهة تحديد موعد لجلسة جديدة لإنتخاب رئيس للجمهورية».
وفي ظل هذا الوضع الضبابي بالنسبة للاستحقاق الرئاسي فمن الطبيعي السؤال عن أسباب غياب أي تحرك أميركي للمساعدة على الخروج من الأزمة الرئاسية، فليس صحيحا ان واشنطن أوكلت هذه المهمة للفرنسيين، وليس صحيحا ان الإدارة الأميركية تأخذ دور المراقب، بل ان أميركا باعتقاد مصادر سياسية متابعة لن تدع أي تسوية من أي جهة أتت أن يكتب لها النجاح ما لم يكن بصماتها موجودة فيها، وإذا كانت واشنطن غير ظاهرة على مسرح المشاورات واللقاءات بخصوص الملف اللبناني فان ملائكتها حاضرة دوما عن طريق حلفاء لها على الساحة اللبنانية.
مخاوف من أن يتمدّد الشغور خارج نطاق القصر الرئاسي ليطال العديد من مفاصل الدولة
وفي تقدير المصادر اننا ربما لا نكون أمام انتخاب رئيس هذا الصيف، وانه في حال بقي الانقسام الموجود على حاله فان الشغور سيتمدد خارج نطاق القصر الرئاسي ليطال العديد من مفاصل الدولة، فإذا تم التوافق على صيغة نتجنّب فيها الشغور في أكثر مؤسسات الدولة حساسية، فان ذلك سينسحب بالتأكيد على باقي الاستحقاقات الأمنية والعسكرية وكذلك الإدارية، وإذا أخفق أهل الحل والربط في تحقيق ذلك فان هذا الأمر سيحول دون معالجة أي ملف، وهو ما يعني اننا سنكون الى أن ينتخب رئيس للجمهورية كمن يجلس في سفينة مثقوبة من جميع الجهات سيكون مصيرها الغرق ما لم ينجح قبطانها والعاملين على متنها من معالجة هذه الثقوب.