IMLebanon

“سجون” الحضانات: البقاء للأغنى

كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:

وحدها ردّات الفعل تحرّك الدولة في لبنان، أو على الأقل ما تبقّى منها. هذه المرّة، اهتزّت الدولة جرّاء تسريب من داخل حضانة Garde rêve في منطقة المتن الشمالي، حيث ضُرب أطفال وعُنّفوا على يدي المعنيّة بالاعتناء بهم، في مشاهد تشبه أفلام الرّعب. وهذه ليست الحادثة الأولى في حضانة، لكنها على عكس «عشرات الحوادث غيرها»، خرجت إلى العلن بعد تصويرها وانتشارها على مواقع التواصل.

تحرّكت وزارة الصحة، وأصدر الوزير فراس الأبيض قراراً بإقفال حضانة واحدة، فيما الحوادث المتعلّقة بـ«سوء معاملة الأطفال، سواء النفسية أو الجسدية» تجري يومياً في غابة دور الحضانات في لبنان، ولا من حسيب أو رقيب. فانهيار البلاد ينهش اليوم أجساد الأطفال، إن لم يكن تعنيفاً، ففي وضعهم في أماكن لا تحترم أدنى شروط السّلامة العامة، لناحية التهوئة أو المساحة أو الإضاءة.
في المقابل، يضطر الأهل للاستعانة بأماكن لا تناسبهم، إذ لا قوانين تحمي الأم العاملة، وتمنحها الإجازة المناسبة، فالعمل في الظروف اللبنانية الآنية «ليس لإثبات الذات، بل لشراء الأكل والشرب». تسأل إحدى الأمهات العاملات «هل من الطبيعي ترك الأطفال في دار حضانة من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءً؟»، وتجيب «كلا، لست مقتنعة بهذه الحياة».

التوغّل أكثر في غابة دور الحضانات مخيف: بيوت في الأحياء تحوّلت فجأة إلى دور حضانات لا تحترم أدنى معايير السّلامة والنظافة والصحة. أسلاك كهربائية مكشوفة، مساحيق تنظيف على الأرضيات متروكة في متناول الأطفال. العاملات بنسبة كبيرة منهنّ غير مؤهّلات أكاديمياً أو نفسياً للعمل مع أطفال، «ولا يمتلكن من الخبرة سوى ما يعرفنه من تربية أبنائهن، أو تربية أهاليهن لهن» تقول إحدى الأمّهات.

وما يزيد هذه الغابة «الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، وأدّت إلى هجرة ذوات الكفاءة من العاملات»، بحسب رئيسة دائرة الأمومة والطفل في وزارة الصحة باميلا منصور، إذ «غادرت الممرّضات معظم دور الحضانات، وهذه من الشكاوى التي تصل بكثرة إلى الدائرة في الوزارة هذه السّنة»، وأطباء الأطفال لا يزورون الدّور إلّا نادراً. وجاءت جائحة كورونا لتضيف مشاكل إلى المشاكل الموجودة أصلاً، وتوقفت معها كلّ أشكال التدقيق والتفتيش.

«500 هو عدد الحضانات المرخّصة في لبنان»، تقول منصور. لكنّ هناك عدداً غير معروف من «الدكاكين» التي تسمي نفسها «دور رعاية أطفال». سابقاً، «كانت دائرة الأمومة والطفل ترسل إلى وزارة الداخلية جداول بدور الحضانات غير المرخّصة لإقفالها، لكنّ الأزمة الاقتصادية أوقفت هذه الأعمال». وحول شكاوى تعنيف الأطفال، تقول منصور «إنّها تحدث نعم، ولكنّها قليلة، ومتباعدة زمنياً». ومتابعة وزارة الصحة للشكاوى، «دائمة، وقد تصل إلى مستوى فتح تحقيق، ولا سيّما عند إصابة الأطفال بأيّ مكروه».

إذاً، القانون موجود على الورق بطريقة مثالية، إلا أنّ الواقع على الأرض مغاير تماماً، فالمرسوم 4876، الذي يحدّد شروط الترخيص بفتح واستثمار دور الحضانات، غير محترم سوى في الشكل الأولي للحصول على الرّخصة. على الرّغم من أنّ النص القانوني يعدّد الأمور المطلوب وجودها في البناء الموافق للمواصفات، والمستخدمين من أصحاب الشهادات المتصلة بالعمل مع الأطفال، وأعدادهم نسبة إلى عدد الأطفال في الدّار، ويتدخل حتى في نوعية الشهادات، والرخص المعطاة للعاملين، والإجراءات الإدارية المتّخذة داخل الحضانات، لناحية السجلّات وشروط قبول الأطفال.

في المقابل، الالتزام بحسن تطبيق القانون أصبح حكراً على طبقة معيّنة، بالتحديد من يستطيع دفع حفنة كبيرة من الدولارات. «إما أن أغضّ النظر عن المخالفات، أو أترك العمل»، بحسب هناء، الأم العاملة، والمعيلة لعائلتها. فـ«من لا يدفع 800 دولار شهرياً للحضانات، لا يمكنه أن يسأل عن الالتزام بالشروط الصحية والتربوية». وتضيف هناء «دور الحضانات التي لا تراعي الشّروط تقوم بذلك أمام أعين الأهالي، فمن رائحة المكان تدرك المشكلة قبل وقوعها». وحول التزام الدور أقلّه بشروط البناء الملائم، تصف هناء الحضانة التي اضطرت لوضع طفلتها فيها بـ«أنّها مكان لا يدخل إليه الضوء الطبيعي، مقفل بالسّتائر، يُسمى زوراً منزل أطفال، ورغم ذلك فهي مرخّصة».