كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، أبلغ رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي الأمم المتحدة استعداد لبنان لترسيم الحدود الجنوبيّة على امتداد الخط الأزرق، خصوصاً بعد افتعال أحداث متفرّقة على الحدود، من بينها تلك المرتبطة بضمّ إسرائيل القسم الشمالي من قرية الغجر، واستحداث «حزب الله» خيمتين على أطراف مزارع شبعا.
وإذا كان بتّ سيادة الدولة اللبنانية على مزارع شبعا والغجر يتطلّب إقراراً سورياً بهذا الأمر، قبل إيداع الأمم المتحدة المستندات المطلوبة لدفع إسرائيل إلى الإنسحاب من كل الأراضي اللبنانية، إلّا أنّ فتح «البازار» السياسي حول ترسيم الحدود البريّة مع إسرائيل على امتداد «الخطّ الأزرق» الذي يبلغ طوله 120 كلم، من شأنه أن يفتح الباب مجدّداً على إشكاليتين:
الأولى، تكمن في اعتماد الأمم المتحدة خلال تحديد «خط الإنسحاب» عام 2000، المتعارف عليه راهناً بالخط الأزرق، على إحداثيات خاصة بها من دون الإرتكاز على الإحداثيات الرسميّة الواضحة والصريحة للحدود البريّة المحدّدة منذ عام 1923، و1949 والمسجّلة لدى الأمم المتحدة.
الثانية، صعوبة تحديد الخط الأزرق على الأرض بدقة، وذلك بعدما أوجد تحديد العلامات وفق الخريطة التي رسم عليها، مساحة متنازعاً عليها بعرض 50 متراً على طول الخط الأزرق، تخوّل الطرفين كليهما أي اللبناني والإسرائيلي المطالبة بأن تكون لمصلحته، أو بجزئها الأكبر له. وتضاف هذه المشكلة إلى إشكالية قضم إسرائيل مساحة كبيرة من الأراضي اللبنانية، ما دفع لبنان إلى تسجيل اعتراضه على 13 نقطة حدودية.
ومع تشديد المتابعين لهذا الملف على أنّ الخطأ الجوهري يكمن في اعتبار الحدود البريّة غير مرسّمة أو منتهية الترسيم، برز التأكيد على أن «خطّ الإنسحاب» لا يمكن وضعه بأي شكل في خانة الحدود المتعارف عليها دولياً، وذلك مع تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية التخلّي عن القيام بدورها ومتابعة موضوع الترسيم مع الأمم المتحدة عام 2000 والتثبّت من مطابقة خطّ الإنسحاب لحدودها الرسميّة. وذلك قبل استحداث الخط الأزرق الذي تسعى إسرائيل راهناً ومن خلال أطماعها، إلى اعتباره خطّ حدود، ما أدّى إلى إبقاء احتلالها بعض المناطق المتنازع عليها.
وأوضحت مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» أنّ الخط الأزرق يبدأ من النقطة B1، والتي تعدّ بدورها نقطة إشكاليّة، وهي تبعد ما يقارب الـ 30 إلى 40 متراً عن نقطة رأس الناقورة. ويسعى الجانب الإسرائيلي إلى إزاحتها ما يقارب الـ 20 إلى 30 متراً في اتجاه الأراضي اللبنانية، في حين يسعى لبنان إلى تثبيت موقعها وفق الإحداثيات التي يمتلكها والتي عمد الجيش اللبناني إلى إعادة تحديد موقعها والكشف عليها عام 2018.
إلى ذلك، يبرز غياب الإحداثيات التي تخوّل لبنان تحديد نقطة رأس الناقورة. وتقتصر معطياته على «إطار وصفي على أنها أبعد نقطة في المياه». ولعدم حسم هذا الخلاف وتحديد موقعها، أبقى اتفاق الترسيم البحري مسافة تقارب 5 كم بين الحدود البريّة عند رأس الناقورة في اتجاه البحر غير مرسمة.
ووفق المتابعين، فإنه خلافاً لما ينطبق على ترسيم الحدود البحريّة، فإنّ بتّ النقاط المتنازع عليها في البرّ يتمّ بمعالجة كلّ حالة بشكل منفصل عن الأخرى. وذلك قبل أن يتساءل المتابعون عن الغاية من تقديم الذرائع للجانب الإسرائيلي الذي يعمد إلى استغلال إشكاليّة الـ50 متراً التي خلّفها استحداث الخطّ الأزرق من أجل تحديد الحدود البريّة وعدم اعتماد إحداثيات عام 1949، وحصر النزاع في نقاط بسيطة ومحدّدة، قد تقتصر على مسافة لا تتعدّى متراً واحداً لاختلاف أنظمة التحديد الجغرافي المعتمدة. وهذا ما يقطع الطريق أمام استغلال إسرائيل عرض الـ50 متراً التي تسبب فيها الخط الأزرق، والمطالبة بأن تكون هذه المساحة لمصلحته.
ولتجنّب تقديم المزيد من الهدايا المجانيّة لإسرائيل، شددّت الأوساط نفسها على وجوب المطالبة بتثبيت الحدود المرسّمة سابقاً وإزالة جميع الخروق والتعدّيات الإسرائيليّة عن الحدود.