كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
ما إن بدأت التسريبات عن استئناف اللقاءات بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و»حزب الله»، حتى انصبت التحليلات على إمكانية مباشرة البحث عن «الخيار الثالث» الكفيل بإخراج رئاسة الجمهورية من قمقم المراوحة والفراغ.
المفارقة أنّ القوى السياسية الداخلية، كما القوى الخارجية المؤثرة في القرار اللبناني، كلها تُجمع على هذا الطرح. لا أحد تستوقفه ما يتضمنه من تكريس لغلبة «الحزب» على الآخرين. لا أحد يستفزّه ما فيه من تصنيف يعكس إصراره على تكريس مرشحه سليمان فرنجية باعتباره «الخيار الأول» والأصلي، أمّا النائب ميشال معوض، ومن بعده الوزير السابق جهاد أزعور، فهما «الخيار الثاني»، أي أنهما في مرتبة دنيا قياساً إلى الأول، أو حتى هما غير موجودين، إلا كمعبر باتجاه «الخيار الثالث» إذا تنازل «الحزب» عن قراره فرض إرادته… وبالتأكيد ليس مجاناً.
وهذا الترتيب حمّال التباس لا يمكن تجاوزه أو تجاهله. بالتالي فإنّه يعني بقاء الأحوال على ما هي، وبقاء الاستقواء وبقاء المعارضة للمشروع الممانع استعراضية لا مفاعيل لها على الأرض. ومع احتمال توصل باسيل مع «الحزب» إلى ما يرضي الطرفين، ربما تستقيم صفقة «بالتوافق» وتحمل في طياتها نصاب جلسات نيابية، إلا أنها لن تتجاوز أبعد مما قرره «الحزب» للبنان وللبنانيين أجمعين.
و»الحزب» لا يستعجل حلّ الأزمة. يتابع تكديس الأوراق واستثمارها، ويواصل بتمهل توجيه المباحثات الرامية إلى حلها بما يريد هو ومحوره. ولا جديد تحت الشمس، ذلك أنّ «الحزب» يتعاطى مع الملف اللبناني الداخلي بالأسلوب ذاته منذ بدأ فائض القوة يتحكم بمسارات الحياة السياسية اللبنانية مع زمن «الانتصار الإلهي» الذي تهلّ ذكراه علينا في هذا الموسم.
لا شيء تغيّر في مشروع إلغاء الدولة اللبنانية ومؤسساتها لصالح المحور الممانع في هذه الرقعة الجغرافية السائبة، وليس مطلوباً حتى بقاء دولة، فإذا بقيت فبشروطه، وإذا انهارت أكثر فأكثر، لن يتعطل وسوف يواصل العمل في مشروعه المستقل.
فـ»الحزب» لم ولن يتوقف كثيراً أو قليلاً عند الجهود الدبلوماسية التي من المرجح أن يبذلها الموفد الفرنسي جان إيف لو دريان، أو عن اجتماع اللجنة الخماسية، إذا ما حصل، إلا بما يتطابق مع تحصيله المزيد من المكاسب في السلطة. وفي حين يظهر تعففاً زائفاً عن المطالبة بضمانات مكتوبة، يستغبي اللبنانيين مع إعلانه الإصرار على أنّ الضمانة الوحيدة التي يريدها هي فرنجية رئيساً.
وهذه الضمانة تجعل «الخيار الثالث» باهظ الثمن، وتحديداً بعد ذوبان الجليد مع باسيل، بما يفتح الباب أمام صفقة جديدة، ستدفع ثمنها المعارضة، هذه المرة أيضاً، لأنّها حسبت أنّ القطيعة نهائية بين «الحزب» و»التيار»… أو أنّ باسيل «المُجَرَّب»، لن يخرِّب وعوده، كما جرت العادة. واللبيب من الإشارة كان عليه أن يفهم، فلا يقدم هدايا مجانية ويخسر أوراق قوته تباعاً وينتشي باللحظة، ويحسب أن تغييراً جوهرياً في قيد التكوُّن… فـ»الحزب» حسم، منذ حرب تموز 2006، مسار أي نقاش داخلي، بحيث يلبي شروطه بوصفه «المنتصر» مهما طال الزمن وتعقدت الأوضاع.
ومع الأسف، القوى الخارجية المؤثرة في الملف اللبناني، رضيت بهذا الواقع، ومجريات الأمور وتطوراتها تعكس هذه القناعة، وهي تتعامل مع «الحزب» كمرجعية فاعلة وقادرة على تنفيذ أي قرارات تؤدي إليها المفاوضات والاتفاقات.
عدا ذلك لا شيء سيوضع على طاولة حوار أو مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، ما دام ترتيب الأولويات على حاله، ليصبح الممر الإلزامي نحو «الخيار الثالث»… إذا وجد، وسيلة لزيادة رصيد «حزب الله» ليُحكم قبضته على لبنان.