Site icon IMLebanon

الجمهورية أسيرة ترابط الساحات… والخطوات المتبادلة

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

يُشرّع الإستعصاء الرئاسي، على المستوى الداخلي، الطريق أمام استقطاب مزيدٍ من التدخّلات الأجنبيّة إلى لبنان؛ ومن خلالها يكرّس واقعاً جديداً ينمّ عن عدم قدرة اللبنانيين على تدبّر أمورهم، وصولاً إلى تعليق العمل في القواعد التي ترعى إعادة تشكيل السلطات في لبنان وتداولها، وإيلاء هذه المهمة إلى الآخرين، رغم ما يحمل هذا التفويض من تنازلٍ وتضاربٍ في المصالح، بل تعارضٍ في أولويات كلٍ من الدول المعنية في رعاية هذا المسار أو ذاك في لبنان.

وفي محاولة لإستشراف المبادرات المرتبطة بالملف اللبناني، الخارجيّة تحديداً، مع إصطدام التقاطعات الداخليّة بحائطٍ مسدود، يمكن الركون إلى أربعة مسارات:

1 – انعكاس اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية وايران ايجاباً على الملف اللبناني.

2 – إستكمال «الخماسيّة» الدوليّة إجتماعاتها واندفاعتها للوقوف إلى جانب لبنان، ومواكبته بالشروع في عمليّة الإصلاح المطلوبة.

3 – الحراك الفرنسيّ عبر المساعي التي يدأب موفد الرئيس الفرنسي إلى لبنان جان- إيف لودريان على القيام بها بعد تعليق العمل في «الصفقة» الفرنسيّة المبنية على المقايضة ما بين رئاستي الجمهورية والحكومة.

ولا يقتصر الحراك الفرنسي في هذا الإطار على فئة دون أخرى؛ وهو يشمل جميع المكوّنات السياسيّة في الداخل، كما جميع الدول المعنيّة بالملف اللبناني، وتحديداً المجموعة «الخماسيّة» التي تسعى فرنسا إلى إشراك إيران في مداولاتها، لما لها من تأثير كبير على المكون الشيعي في لبنان، خصوصاً «حزب الله».

4 – الحراك القطري الذي برز من خلال محاولة قطر إستعادة المبادرة عبر «الخماسيّة» ودعوة أعضائها للإجتماع خلال هذا الأسبوع، وقبل إتضاح معالم جولة لودريان ولقائه القوى السياسيّة.

وهذا ما دفع بعض المتابعين إلى اعتبار أنّ الهدف الضمني من التحرّك القطري، هو قطع الطريق أمام اندفاعة فرنسا تجاه تعويم إيران وحلفائها في لبنان، والسعي إلى حضّ «الخماسيّة» على تأمين ظروف إنتخاب مرشّح ثالث. ويتردد أنّ إسم قائد الجيش جوزاف عون يتقدّم على سواه قطرياً.

مبادرة أردنية

وفي موازاة ذلك، برز نشر «المجلة» السعوديّة المبادرة الأردنيّة المرتبطة بحلّ الأزمة السوريّة، والتي «تضع خروج إيران من سوريا وسحب جميع الممتلكات الإيرانيّة العسكريّة والأمنيّة منها، وإنسحاب «حزب الله» والميليشيات الشيعيّة هدفاً نهائياً لها مقابل رفع العقوبات وإعمار سوريا».

وأوضحت أوساط متابعة للملفات العالقة في المنطقة، أنّ اعتماد نهج «خطوة مقابل خطوة»، السائد، من شأنه إطالة أمد الأزمة في لبنان، لغياب هذا الملف عن سلّم أولويات الدول المعنيّة، والتي تعمد إلى الإبقاء على الورقة اللبنانيّة معلّقة إلى حين إتضاح مآل الحلّ المتكامل في المنطقة؛ أكان عبر «المبادرة الأردنيّة» التي تعتمد مقاربة «خطوة مقابل خطوة» بين «الحكومة السوريّة» من جهة، والدول العربيّة والغربيّة من جهة أخرى، أو لجهة إتفاق «بكين» المرتكز أيضاً على اعتماد «خطوة مقابل خطوة» في التقارب أو حلّ الخلافات العالقة ما بين السعوديّة وإيران.

ومع تقدّم إيران على غيرها من القوى الضالعة في تأجيج النزاعات في المنطقة، أو القادرة على سحب وتيرة الخلافات المتفاقمة، ومنها في لبنان مع بروز إندفاعة دوليّة لمواكبة اللبنانيين في أزمتهم، أوضح أستاذ العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة البروفسور عماد سلامة في حديث لـ»نداء الوطن»، أنّ الإندفاعة الدوليّة إلى جانب ما تعكس من إهتمام خارجي بالملف اللبناني، فإنها تتلاقى ورغبة اللبنانيين التواقين إلى إعادة الإنتظام الى عمل المؤسسات الدستوريّة. وتبرز في السياق، أنّ الأهميّة المرتبطة بالمساعي الديبلوماسيّة واللقاءات المرتقب إستكمالها بين وزراء خارجيّة الدول الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر ومصر)، تعود إلى تعذّر اتفاق القوى السياسيّة في الداخل، وإرتباط غالبيّة قراراتها وخياراتها بقوىً خارجيّة.

التوازنات اللبنانية

وإذ رأى أنّ تدويل الأزمة اللبنانيّة من شأنه أن يدفع الملف الرئاسي في الإتجاه الصحيح، شدّد على أنّ التبعات السلبيّة للتدويل تكمن بتحويل النظام السياسي في لبنان إلى صُوريّ، غير حقيقي، أكان لجهة الإنتخابات أو التمثيل وتطبيق الدستور، وذلك مع التسليم بأنّ مصير لبنان لم يعد في يد اللبنانيين، إنما في يد قوىً خارجيّة تتحكم به وفق أهوائها ومصالحها.

وعن إمكانيّة مساهمة»الخماسيّة» في تعويم إيران لبنانياً بما يتعارض والمبادرة الأردنيّة الهادفة إلى حلّ الأزمة في سوريا، والحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، إستبعد سلامة أن تعمد إيران إلى النظر في إعادة تموضعها في المنطقة، والبحث عن مكاسب في لبنان، من بينها الإمساك بمفاصل السلطة ورئاسة الجمهورية كتعويض عن المكاسب التي حققتها في سوريا؛ وذلك في حال كتب للإندفاعة العربية والمبادرة الأردنيّة النجاح في إعادة تعويم النظام في سوريا على حساب تقليص النفوذ الإيراني.

وأكّد أنّ امتداد المصالح الإستراتيجيّة الإيرانية المرتبطة بمشروع «الحرس الثوري» في المنطقة لا يخوّل إيران المساومة على الملفات التي تتحكم بها في كل من العراق وسوريا ولبنان، وذلك نظراً لإرتباطها الوثيق والكفيل بتثبيت موقعها في المنطقة.

وعن الإنعكاسات الدوليّة المرتبطة بإيران على الداخل اللبناني، توقف عند التوازنات اللبنانيّة التي تحدّ من قدرة إيران على تخطيها، وذلك بعدما ثبُت أنّ خياراتها تواجه بمعارضة غالبيّة القوى المسيحيّة، التي لا يمكن تخطيها من خارج الركون إلى عمل عسكري، مستبعد في هذه المرحلة، قد تلجأ إليه إيران من أجل فرض خياراتها على لبنان وغالبيّة المسيحيين. ورأى أنّ إستبعاد الخيار العسكري، يشرّع الأبواب أمامها للبحث عن ضمانات تخوّلها الإطمئنان إلى عدم تغيير قواعد اللعبة راهناً، والتطرق إلى مستقبل سلاح «حزب الله»، والبحث في إمكانيّة فكّ الإرتباط بين الساحات المشتعلة من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان.

ورغم ترابط الملفات التي تمعن إيران في الإمساك بها، إعتبر سلامة أنه بمجرّد إنتزاع إيران الضمانات التي تتعدى رئاسة الجمهورية إلى تأليف الحكومة المقبلة وتركيبتها، وصولاً إلى البيان الوزاري، ستفقد المعركة الرئاسيّة المرتبطة باسم هذا المرشح أو ذاك أهميتها، ويصبح إنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة في لبنان أمراً بديهياً!