كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يعمل محور «الممانعة» على فرض إيقاعه على الساحة اللبنانية. ويُصوّر نفسه رابحاً دائماً حتى ولو كانت الأرقام حاسمة مثلما حصل في الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس الجمهورية عندما تفوّق الوزير السابق جهاد أزعور على مرشح المحور إياه رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية. ويملك هذا المحور ماكينة منظّمة تتفوّق على الفريق الآخر المنافس.
بدأت مجموعة من المصطلحات تأخذ حيّزاً كبيراً في اللغة السياسية اللبنانية يُطلقها محور «الثنائي» وتبدو جذابة وإيجابية للبعض. في المقابل تشير الممارسة السياسية والوقائع إلى معانٍ خفية لهذه العبارات تتطلّب التوقّف عندها قبل الحكم عليها واستخدامها من قِبل البعض الحريص على الوسطية والوفاق في بلد النفاق.
من هذه المصطلحات يمكن اختيار الأكثر استخداماً، خصوصاً في الآونة الأخيرة لجذب الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي. وأهم تلك المصطلحات كلمة حوار، وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري أول من أطلقها لضرب العملية الإنتخابية الرئاسية. في الشكل هي كلمة إيجابية، لكنّ المقصود بها فعلاً هو المفاوضات على ما يريده الآخرون مقابل انتخاب رئيس يفرضه «الثنائي»، ويظهر واضحاً إخفاق هذا الطرح على رغم إعلان معظم الكتل نيّتها الحوار بعد جلسة 14 حزيران.
وابتكر «الثنائي» على لسان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب مصطلحاً جديداً وهو انتخابات نيابية مبكرة، لكن في ظل إصرار قوى السلطة على استحالة إجراء الانتخابات البلدية في موعدها والتمديد سنة، من الواضح أنّ الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة أمر غير جدّي ويُظهر عدم قدرة «الثنائي» ورموزه على ابتكار أفكار لحرف الأنظار عن إخفاقهم في فرض مرشحهم للرئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية، ويختلقون مادة جديدة لتعبئة الأخبار، لربما ينسى الناس أنّ 77 نائباً صوّتوا ضد فرنجية. وبالتالي فقد واجه معظم الأفرقاء طرح بري على لسان بو صعب، وقد وُلد ميتاً.
ويأتي مصطلح «تشريع الضرورة» من المصطلحات التي دخلت قاموس الحياة السياسية ويروّجها برّي. وقانونياً يصبح مجلس النواب في غياب رئيس الجمهورية هيئة ناخبة إلى حين انتخاب رئيس. لكنّ بدعة التشريع في غياب الرئيس بدأت أولاً بخجل وحُصرت في الأمور الضرورية بين عامَي 2014 و2016، ولكن اليوم توسّعت لتصبح تشريعاً عادياً ليعتاد الناس أنّ وجود الرئيس ليس ضرورياً، ويمكن للحياة السياسية أن تستمر طبيعية برئاسة رئيس مجلس النواب. فما كان من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلا أنّ ضرب هذا المصطلح وانتقده بشكل مباشر ومعه بقية القوى المسيحية.
ويستخدم هذا المحور كلمة إصلاحات، وهي كلمة مطّاطة يستعملها الجميع، وخصوصاً الفاسدين منهم. لكن ما المقصود بها عند «الثنائي» واتباعه؟ أنهم يصوّتون في الموازنات والقوانين على زيادة الضرائب والرسوم على الذين يلتزمون دفعها، لتغطية زيادة رواتب الذين يستفيدون من الدولة، وزيادة الهدر في مرافق متعدّدة ليستفيد الصديق والقريب ومن «لا يطعن المقاومة في الظهر».
وعلى رغم توقيع الدولة اللبنانية بقيادة «الثنائي الشيعي» إتفاقية الترسيم البحري والإستعداد للترسيم البرّي، يستخدم «الثنائي» كلمة مقاومة في المعركة الرئاسية. وتجذب هذه التسمية كل الحريصين على مقاومة الاحتلال والعدو وتحرير الأراضي اللبنانية، إضافة إلى الغيارى على القضية الفلسطينية والممانعين. لكنها فعلاً وواقعياً، تُشير إلى تنظيم مسلّح يستفيد من التهريب والحدود المتفلّتة ويقوم بعمليات خارج الحدود اللبنانية لا علاقة لها بمقاومة العدو الإسرائيلي، ويفاوض على ترسيم الحدود ويشارك في اللعبة الجيو – سياسية الإيرانية. أما مصطلح الحملة الرئاسية فهو «رئيس لا يطعن «المقاومة» في الظهر»، أي رئيس لا يعمل مع الحكومة لضبط الحدود وجباية الضرائب والرسوم كاملة، ولا يُقلّص حجم القطاع العام، ولا يؤمّن استقلالية القضاء ليستمر التحقيق بانفجار المرفأ والاغتيالات وتحقّق العدالة.
واستمراراً للمعركة الرئاسية يستخدم «الثنائي» مصطلح مرشح تحدٍّ، أي مرشح للرئاسة لم يحصل ترشيحه من قبل «حزب الله»، وبالتالي لا يهم في نظر «الثنائي» رأي المسيحيين والأغلبية اللبنانية.
وتعتبر الأغلبية اللبنانية أن هذه المصطلحات تُضلّل الرأي العام وتُشتّت النواب، خاصة الذين يحاولون لعب دور وسطي، فيقعون في تفسيرات بريئة أو يغضّون النظر عن التفسيرات الحقيقية ليلعبوا دوراً مفيداً لهم مستفيدين من فوضى المصطلحات. وبالتالي الحاجة اليوم هي لانتخاب رئيس بحسب ما يُمليه الدستور والضمير… ولا شيء آخر.