كتبت إيفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
رُزمة ضرائبية جديدة حملها مشروع موازنة 2023 الذي لحظَ إعادة تسعير للرسوم والخدمات العامة وكأنّ عقارب الساعة عادت الى العام 2019 بمستوى الدخل الذي كان قائماً يومها في حين انّ دخل الفرد اليوم بالكاد يكفي لدفع فاتورة الكهرباء. وعليه، انّ مداخيل الافراد المعمول بها اليوم، أكانَ ذلك في القطاع العام او الخاص، لا يمكن ان تتماشى مع التسعيرة والضرائب المستحدثة في الموازنة، بما يعني أننا نتجه الى مزيد من التهرّب الضريبي والافقار واللاعدالة اجتماعية.
«عود على بدء» أو ببساطة «رجعِت حليمة لعادتها القديمة»، هكذا وصف رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) كريم ضاهر مشروع موازنة العام 2023 كونه لم يتضمّن أيّ نكهة تغييرية اصلاحية ولا اي جدية بالتعاطي. فقد خلا مشروع الموازنة من دراسة أثر وَقع اقتصادي او تحديد لارتدادات التدابير المتخذة، كذلك لم تتضمن الموازنة أي فذلكة او خطة اقتصادية حتى لو انّ السنة أشرَفت على نهايتها. وقال لـ«الجمهورية» كنّا ننتظر ان يفسّر لنا مُعدّو الموازنة ماذا يقدمون للبنانيين؟ وما الهدف من هذه الموازنة؟ والاسباب الكامنة وراء النهج المعتمد فيها، وما ورد فيها غير كاف لتبرير الاجراءات الضريبية الجديدة ورفع الرسوم الواردة فيها.
ورأى ضاهر انّ زيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة التي هي ضرائب تَنزيلية، الواردة في مشروع موازنة 2023، تساهم في الاستمرار في تعميق اللاعدالة الضرائبية. كذلك، لاحَظنا اتخاذ بعض التدابير او العقوبات الهادفة للحد من التهرب الضريبي، بينما لم يتم اتخاذ اي تدابير لتوسيع قاعدة المكلفين، لا بل تمّ تهديد المكلفين بأنهم سيكونون مُلاحَقين كمتهربين ضريبيين امام النيابة العامة المالية وبأنه سيتم الحجز على املاكهم وبيعها في المزاد العلني.
وخَلُص ضاهر الى انه يمكن الاستخلاص مما تبيّن في مشروع الموازنة انّ لدى الدولة أعباء تسعى الى تغطيتها عبر فرض ضرائب واعباء جديدة من دون اتخاذ اي خطوات اصلاحية، وفي غياب أي دورٍ راعٍ للدولة التي لم تفكر بمواطنيها كما لم تلحظ اي تدابير للحد من المشاكل التي يعانيها الناس او للحد من التفاوت الاجتماعي والفقر المتزايد. وفي المحصلة، نحن لا نزال أبعَد ما يكون عن العدالة الضريبيبة والمواطنة الضرائبية.
وفي تفاصيل مشروع الموازنة، توقف ضاهر عند بعض البنود التي تضمنها، ومنها:
– الاستمرار بتأجيل الاعتمادات الملحوظة من سنة الى أخرى من دون ذِكر ما اذا كانت البرامج لا تزال صالحة وما اذا كانت المبالغ المَرصودة لها لا تزال كافية لها.
– زيادة في قيمة الشطور والتنزيلات بسبب التضخم وانهيار قيمة العملة، إنما المُلاحَظ تفويض وزير المالية للقيام بالتعديلات مَتى شاءَ ذلك وفقاً لنسبة التضخم الصادرة عن ادارة الاحصاء المركزي.
وأشار ضاهر الى ان تعديل الشطور والنسَب يَخلق بصورة غير مباشرة عبئا ضريبيا جديدا، وهذا يدخل استناداً الى المواد 81 و 82 من الدستور من ضمن صلاحيات مجلس النواب، أما اذا كانت الاسباب الموجِبة التدهور في سوق القطع والتضخم، ففي هذه الحال تُعطَى الصلاحية لمجلس الوزراء وليس لوزير المالية الذي أوكَلَ اليه مشروع الموازنة الحالي صلاحية مطلقة في الكثير من البنود.
وشدد ضاهر على ان هذه القرارات التنظيمية مَنوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً، وبالتالي، هذا الموضوع مرفوض كليّاَ. وقد لاحظنا ان مشاريع قوانين الموازنة السابقة طالبت بذلك ورُفِض الامر، ونحن نتوقع ان يُرفَض هذه المرة ايضاً لأنّ ذلك يمسّ بالمبادئ الجوهرية للمالية العامة وبالمبادئ الدستورية.
– العدالة عمودية تصاعدية إنما مضروبة: في مشروع الموازنة الحالي تفرض ضريبة دخل بنسبة 25% على من يزيد راتبه سنوياً عن مليارين و440 مليون أي بما يوازي 24 الف دولار، بينما قبل الأزمة اي في العام 2019 كانت نسبة الضريبة هذه تنطبق على الفرد الذي يزيد راتبه عن 150 الف دولار، أي اكثر من 250 مليون ليرة. وبالتالي، ما استجَدّ اليوم فرض ضريبة الـ 25% على من كان راتبه 2000 دولار وأكثر، في حين انّ هذا الراتب لا يُعَدّ كبيراً او يعود لفردٍ مُرتاحٍ ماديّاً. في المقابل، لم يلحظ مشروع الموازنة اي زيادة في نظام التنزيلات الذي لا يزال بائداً وخفيفاً. وللتذكير، فهو يلحظ 30 مليون ليرة للزوج غير العامل سنوياً بما يُوازي 300 دولار، و6 ملايين ليرة عن كل ولد بما يُوازي 60 دولاراً سنوياً إذا احتسَبنا الدولار بـ 100 ألف ليرة لبنانية.
وبناء عليه، يمكن استخلاص انّ ضريبة الدخل باتت عالية جداً على الموظفين وعلى اليد العاملة التي لا تزال في لبنان، وهذا ما قد يدفعها الى الهجرة نسبة الى الضريبة العالية المفروضة على الرواتب من دون اي تنزيلات في المقابل. كذلك، من شأن هذه الخطوة ان تهرّب ما تبقى من شركات وموظفين، لذا من الضروري تعديل هذه الفقرة وتعديل نظام التنزيلات خصوصاً.
– زيادة على الغرامات: لَحظَ مشروع الموازنة مُضاعَفَة الغرامة على عدم التسديد، كذلك رفع غرامة التحقق من 5 الى 10%، زيادة غرامة التحصيل من 1 الى 2% أو من 1.5 الى 3%، رفع الغرامات المقطوعة من 20 الى 40% وحتى الى 75%، رفع الضريبة على اعادة التقييم من 10% الى 15% لِتَتساوى مع الضريبة على التفرّغ. كذلك ورد في المادة 43 مضاعفة الرسوم على اختلافها بنسبة 30 مرة عما كانت عليه بتاريخ 1/8/ 2019.
وأكد ضاهر «ان ليس الهدف من هذه الاجراءات الالتزام الضريبي، إنما تسعى الدولة الى غَرْف أموال بقدر ما تستطيع. وهنا نأمل ان تنطبق هذه الاجراءات على كل الناس وليس فقط على فئة معينة».
– إستحداث ضرائب جديدة: وقد ورد ذلك في المادة 29، وتقضي بفرض ضريبة على الايرادات بمعدل 2% على كل شخص طبيعي او معنوي حتى لو كان مركز نشاطه خارج لبنان، ويقوم بنشاط يتعلق بأموال او خدمات لصالح اشخاص في لبنان من خلال الانترنت او اي منصات إلكترونية. واعتبر ضاهر انّ هذا تدبير اصلاحي مهم لطالما طالبنا به لأنه يَحد من المنافسة غير المشروعة من قبل الذين يمارسون هذه الانشطة تجاه المكلفين الملتزمين، لكنّ المشكلة انّ مشروع الموازنة لم يتحدث عن أي آلية او تدبير في هذا الخصوص، ففَرض ضريبة الـ 2% من دون اي إيضاحات او آلية او قانون خاص بها سيدفع هذه الشركات الى الاقفال في لبنان او اقتطاعها من رواتب اليد العاملة الشابّة او طلاب الجامعات الذين يعملون بها.
– تسمح المادة 25 للاشخاص الطبيعيين المقيمين في لبنان مهلةً لغاية 31/12/2023 للتصريح وتسديد الضريبة عن ايرادات رؤوس الاموال المنقولة على اختلاف انواعها التي حصلوا عليها من الخارج. هذه المادة لطالما كانت موجودة في مشاريع الموازنة، الّا انّ قِلّة كانوا يُصرّحون عن الاموال المنقولة بسبب قانون السرية المصرفية. والجديد فيها هو استحداث الفقرة الثانية التي تقول بإحالة جميع المكلفين الذين لم يصرحوا ويسددوا الضرائب المتوجبة عليهم ضمن المهلة المُشار اليها الى النيابة العامة المالية بجُرم التهرّب الضريبي، كما يتم وضع اشارة حجز على املاكهم وتُباشِر لجان البيع بإجراءات البيع في المزاد العلني لتلك الاملاك. ورأى انّ هناك خشية لدى تطبيق هذه المادة من أن يكون اصحاب الاموال عُرضة للابتزاز والخطف والابتزاز السياسي. لذا فإنّ الأصَحّ يَكمُنُ في ضَبط الوضع ووضع تطمينات تحثّ الفرد على التصريح بعيداً عن التجاذبات السياسية.
– الضريبة على التركات في المادة 31: هذه الضريبة مُستجَدّة وتسمح للمصارف باقتطاع نسبة 3% من المبلغ الموجود بحوزتها باسم المتوفّى. وتحوي هذه المادة على 3 مخالفات، هي:
– اولاً: انّ هناك قانوناً يرعى الاقتطاع من الحساب المشترك، والذي يقول متى توفي الفرد يؤول الحساب حُكماً الى شريكه بالحساب من دون الدخول في التركة. لذا، وللسير بهذا المشروع يجب إمّا تعديل القانون بصورة صريحة لأنه قانون خاص لا يجوز تعديله بقانون عام، وإمّا التنازل عن هذا الموضوع.
– ثانياً: لم يذكر مشروع قانون الموازنة ما اذا كانت نسبة الاقتطاع هذه سترد الى المُكَلّف او تنزّل، ما يتوجّب عليه متّى صرّح المكلف المعني عن ضريبته.
– ثالثاً: ان السرية المصرفية لا تزال قائمة الى حين استصدار قانون يُحدد الالية لِرَفعها، بما يعني انه لا يحق بعد لوزارة المالية ان تُطالب المصارف برفع السرية المصرفية عن الاسماء.
المادة 48: زيادة رسم الطابع المالي على تأسيس شركات مساهمة 30 ضعفاً. لكنّ الموازنة لم تتحدث عن وضع تأسيس بقية الشركات، ما يخلق عدم توازن ونوع من المزاحمة غير المشروعة.
– لَحَظت الموازنة في بعض موادها البدء باستيفاء بعض الضرائب بالدولار.
– تعديل الحد الادنى للدخل السنوي الوارد في المادة 69: وتفيد هذه المادة برفع الحد الادنى للدخل السنوي الخاضع للضريبة الى 750 مليوناً بدلاً من 100 مليون. ولا شك انها ستلقى اعتراضا كبيرا، لأنّ الـ 750 مليوناً تساوي اليوم 7500 دولار سنوياً، ما يعني انّ كل الناس سيخضعون لهذه الضريبة. (المقصود بهذا الرقم حجم الاعمال وليس الارباح، لذا ستُطاول كل الاعمال).