كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
لا مؤشرات على أي تطور نوعي في الملف الرئاسي، ربطا بتسليم الداخل بفشله في خطّ أي جديد، كما تسليمه بأن الخارج هو الوحيد القادر على تقديم المخرج الملائم لإنهاء الفراغ والتأسيس للمرحلة المقبلة باعتبارها حُبلى بالاستحقاقات الإصلاحية المعلّقة راهنا بقرار سياسي واضح.
غير أن المأمول خارجيا لا يبدو أن ظروف نضوجه متوفرة، لأسباب كثيرة، من بينها اسقاط لبنان من أولويات عواصم القرار وتلك المؤثرة لبنانيا، من مثل واشنطن والرياض، إلى جانب عدم رغبة كل من إيران والمملكة العربية السعودية في كل ما يُفسد أو يُنغّص عليهما الاتفاق الذي ارتضياه في الصين، والذي لم يأخذ بعد كامل حيّزه في اليمن، وهو المرحلة الاختبارية لمدى قدرة كل منهما على السير في جدولة الاتفاق.
لا يُخفى استياء الثنائي الشيعي مما آلت إليه أحوال ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، خارجيا كما محليا. فالمبادرة الفرنسية التي طالما عوّل عليها، والتي قامت على صفقة ثنائية فرنجية – نواف سلام، طوى الموفد الرئاسي جان إيف لودريان صفحتها في زيارته الأخيرة لبيروت، فيما تولى الاجتماع الخماسي الذي استضافته الدوحة إنهاءها رسميا، راسما إطارا مختلفا لما كان قائما قبل جلسة ١٤ حزيران الرئاسية.
ويلمس من يلتقي المستوى القيادي لدى الثنائي الشيعي استياء بالغا من الإدارة الفرنسية، ولا سيما من المقاربة التي يتّبعها لودريان. لا بل ثمة نعيا مسبقا للمبادرة الحوارية التي نادى بها قبلا، باعتبارها عقيمة لن تؤدي الغرض منها وستضفي مزيدا من الإرباك.
ويظهر أن غضب الثنائي من لودريان يعود إلى أنه أنهى أي فرصة لفرنجية، ولم يقدّم دفاعا صلبا في الاجتماع الخماسي في الدوحة، وترك البيان الختامي يصدر حاملا استهدافا مباشرا للثنائي، بفرعيه حزب الله وحركة أمل. فانتقاد الآلية المتّبعة في مجلس النواب والتي تطيل الفراغ، كما تلويح المجتمعين بعصا غليظة، هي عصا العقوبات على من تثبت عرقلته انتخاب رئيس جديد، نُظر إليه الى أنه استهداف للثنائي وقنص مباشر لرئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما تأكيد البيان على اتفاق الطائف وعلى القرارات الدولية، ومن بينها لا شكّ القرار الأممي 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات، وكان سببا رئيسا في خضّات أمنية واسعة عند صدوره، يُعدّ غمزا مباشرا من قناة حزب الله.
ولا ريب أن هاتين الإشارتين متأتيتين تحديدا من الإصرار السعودي على عدم تجاوز القرارات الدولية في أي حراك أو مبادرة تتعلق بالشأن اللبناني، بعدما ذهبت باريس والثنائي بعيدا في تفسير ما وُصف باللافيتو السعودي على فرنجية. كما لا يُخفى أن التمسّك باتفاق الطائف يعود إلى توجّس الرياض من أي محاولة لتعديله، وتنظر إلى حزب الله باعتباره أكثر المعارضين له وفي مقدّمة من لم يخفِ الرغبة في تغييره أو تعديل بنود فيه، ليعكس كل ذلك التوازن الذي استجدّ منذ العام ١٩٨٩. يومها كانت إيران في أضعف أحوالها بعد الحرب الدامية مع العراق، وكان الحزب لم يتجاوز بعد عامه الخامس.
وكان لودريان قد شرح للمجتمعين في الدوحة حصيلة زيارته الى بيروت والتباعد الذي تلمّسه بين الأفرقاء المعنيين وإصرار الحزب على ترشيح فرنجية، ملمّحا الى رعاية أجنبية لحوار لبناني في الخارج، الأمر الذي رفضه عدد من ممثلي الدول، باعتباره مضيعة للوقت، ولا تتوافر راهنا عوامل نجاحه، خلافا للطروف التي آلت الى نصوج اتفاق الدوحة في أيار 2008.
وأسقط بيان الدوحة الذي عُدّ امتدادا للبيان الذي صدر إثر اجتماع الثلاثي الأميركي- الفرنسي – السعودي في نيويورك في ٢٢ أيلول ٢٠٢٢، ذكر المبادرة الحوارية للودريان والتي تعتبرها واشنطن والرياض مجرد محاولة لشراء الوقت، رغبة من الساعين الى هذا الأمر، الثنائي على وجه التحديد، إلى تقطيع المرحلة أملا في مستجدات تعيد له ما فقده منذ جلسة ١٤ حزيران الرئاسية.