شدد شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى على “أهمية بناء الدولة بمؤسساتِها، وحماية دستورِها واحترام قوانينِها”، آملا أن “يستشعرَ المسؤولون خطر المماطلة في التجاذب وتفريغ المؤسسات”، ومتسائلاً عن “الميثاقية في شغور بعض المواقع الأساسية من أصحابها الأصيلين، في استباحةٍ موصوفة لا تليقُ بالعدالة ولا تُطمئنُ المواطنين ولا تُعزِّزُ ثقةَ الناس بدولتِهم”.
وتوجّه بنداء الى المسؤولين والمشايخ داخل الطائفة، “لإصلاح ذات البَين والتلاقي على المصلحة العامة”، متسائلا: “هل من الحكمة أن نَضعَ الهيئة الروحية في مواجهة الزعامة السياسية؟ وهل تجوزُ المقاطعةُ والمجافاةُ ممّن همُ الأَولى بالأُخوَّةِ التوحيديةِ البعيدة عن السياسة؟”
كلام شيخ العقل جاء خلال كلمة ألقاها في مقام النبي أيوب في نيحا الشوف، حيث لبّى دعوة إدارة المقام مشاركاً في الزيارة وراعياً اللقاء العام الذي أقيم للمناسبة في استعادة للتاريخ والوهج بتلك اللقاءات الجامعة لأبناء الطائفة. وشاركت فيه شخصيات روحية واجتماعية وأهلية من مناطق الجبل ووادي التيم وغيرها، الى جانب ابناء البلدة وفاعلياتها.
وأقيم لشيخ العقل استقبال لافت وحاشد مع رفع اللافتات المرحّبة، بدأ من مفترق قلعة نيحا الأثرية ووصولاً الى باحتي المقام الخارجية والداخلية، وبعد مصافحته مستقبليه برفقة وفد من المشايخ وأعضاء ومسؤولين في المجلس المذهبي ومشيخة العقل ومستشارين، توجّه شيخ العقل الى حرم المقام الرئيسي للزيارة والتبرك ثم إلى باحة المقام حيث اللقاء العام، وألقى كلمته قال فيها: “إخوانَنا الموحِّدين الموحَّدين في توحيدِهم، المجتمعين على العقيدة معَ اختلافِ مواقعِهم وعلى تعدُّدِ خَلَواتهم ومجالسِهم وطاقاتِهم ومنازلِهم، أبناءَنا المعروفيّين الراسخين في إيمانهم والثابتين في أخلاقِهم وفي أرضِهم، أُحيِّيكم من على عتبةٍ من عتبات هذا المكان المبارَك؛ مقامِ النبي أيُّوبَ (ع)، ذلك النبيِّ الصابرِ على المرض وصعوبة الحياة، والمتخطِّي بصبرِه ٱمتحانَ الألمِ والمعاناة: “نِعم العبدُ إنَّه أوَّاب”.
أضاف: “أُحيِّيكم من على تلَّةٍ رائعةِ الجمالِ والجلال، من تلال بلدتِنا الشوفيّةِ الغالية نيحا، تلّةٍ عاليةٍ تزاحمُ الجبالَ شموخاً، وتتميَّزُ عنها برمزيّتِها المستمَدَّةِ من رمزية هذا المقام، الذي نحِجُّ إليه منذ زمنٍ تبرُّكاً بسيرتِه العطِرة وتقرُّباً من الله عزَّ وجلّ، والذي حافظ عليه أهلُنا الكرامُ في بلدة نيحا وأَوسَعت بُنيانَه مشيخةُ العقل والمجلسُ المذهبيُّ في زمن المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، وما زلنا نرعاه ونعتني به، كسباً للأجر وصوناً للتراث الروحي والعمراني، حتى أصبح اليومَ من أهمِّ الأماكن ذات الطابَع الديني التي نفتخر بها ونتحمّل مسؤوليةَ الحفاظ عليها”.
وتابع: “أُحيِّيكم، حامداً اللهَ تعالى الذي أنعم علينا بهذا الاجتماع وألهمَنا لإحياء هذ اللقاءِ الروحي الاجتماعي، والذي توقَّف إحياؤُه منذ فترةٍ نتيجةَ عواملَ قسريةٍ عدّة، علَّه يكونُ فاتحةً لإحياء الزيارة السنوية الجامعة، وأُحيِّي الأخوةَ الأفاضلَ مشايخَ بلدة نيحا والأهالي الكرامَ ومجموعةَ شباب نيحا، شبابِ النخوة والمروءة، ووكيل المقام الشيخ كهيل ذبيان، ومن قَبله الشيخ فهد عرنوس، وكلَّ من ساهم وقدَّم عملاً أو تبرُّعاً بنيَّةِ الخير وخدمةِ المقام وساعد مع أخينا الشيخ كهيل في تأمين استقبال لائقٍ لشيوخنا الأجلَّاء ولإخواننا القادمين من مختلف المناطق للاجتماع على نيّة الخير والائتلاف لرفع الصلاة والدعاء معاً بقلوبٍ طاهرة مفعَمة بروح المحبة والأخوّة والتوحيد”.
وقال: “أحيِّيكم باسمي وباسم إخواني في المجلس المذهبي، وأخاطبُكم من موقعِ مشيخة العقل، موقعِ السلطة الدينية المكرَّسة قانوناً وعُرفاً لخدمة الطائفة ومشايخِها وعمومِ أبنائها، فنحن بعونه تعالى وببركة مشايخِنا الصَّفوةِ الأجلَّاء الذين ميَّزهم اللهُ بتقواهم وثباتِهم، قبل أن يُميَّزوا بعمائمِهم الناصعةِ النقيَّةِ، أولئك الذين يُعبِّرون بصدقٍ عن سموِّ مسلك التوحيد وأهلِه، والذين لم يبخلوا علينا بالدعاء والإعانة والاحتضان، وإننا بذلك مطمئنون لنوايانا الطيّبة ولنواياهم الصافية، وواثقون بتوجُّهِنا الخالص لوجه الله وبدعوتِنا الصادقة لجمع الشمل وتلاقي الجميع على كلمةٍ سواء. هذا التوجُّهُ الذي نفتخر به ونُصِرُّ عليه، مهما ووُجه بالصَدِّ والردِّ ومحاولات إفشال المهمَّة وعرقلة المسيرة، بما يعنيه ذلك من الألم و”النغصة” في المجتمع الديني، لكنَّنا مقتنعون بنهجِنا وانفتاحِنا، ومصمّمون على السير قُدُماً، ومع مشايخِنا الأجلَّاء وإلى جانبِهم، لتجاوز الصعوبات والعراقيل ولاستكمال مهمة جمع الشَّمل وتمتين العلاقة مع جميع أركان الطائفة، بما نلقاهُ من الدعم والمساندة، وعلى الأخصِّ من الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط الذي يعتزُّ تاريخُنا وحضورُنا الوطنيُّ به وبحكمته وحرصِه على صَون الطائفة والوطن، ونعتزُّ نحن بثقتِه التي وضعها بشخصِنا منذ البداية والتي هي وسامُ عزٍّ وتشريف بقدر ما هي مسؤوليةٌ وتكليف”.
أضاف: “نحن مطمئنون، والحمدُ لله، بنيّتِنا وبرؤيتِنا وبإرادتِنا وباجتماعِنا، مطمئنون بعلاقاتِنا المتوازنة والمتّزنة مع جميع الطوائف، وبحضورِنا الفاعل على مستوى الوطن وتمثيل الطائفة، فلنكن مطمئنين وأقوياءَ بالثقة الداخلية ونبذِ التفرقة واحترام القانون، فللطائفة مجلسُها المذهبي وقانونُه الرسمي الذي يجبُ أن يُحترَم، ولنا من العقل والحكمة والأناة ما يخوِّلُنا التعاطي الإيجابي مع الواقع ومع الآراء المختلفة والملاحظات البنَّاءة للتقدُّم إلى الأمام، فلماذا نُفسِحُ المجالَ لتشويه الصورة ولتصادم شبابِنا عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل من الحكمة أن نَضعَ الهيئة الروحية في مواجهة الزعامة السياسية؟ أم يقضي الواجبُ المحافظةَ على المهابة الروحية لمشايخِنا الأجلَّاء، والمحصّنةِ بالعلم والعمل والتقوى لتتكاملَ الدعامتان وتقويَّان بعضَهما بعضاً وتحميان الطائفةَ من المخاطر؟ وهل تجوزُ المقاطعةُ والمجافاةُ ممّن همُ الأَولى بالأُخوَّةِ التوحيديةِ البعيدة عن السياسة؟ إننا نوجِّه النداءَ من هذا المكان المبارَكِ لإصلاح ذات البَين والاعتراف الصريح والتلاقي على المصلحة العامة، ففي ذلك نجاحٌ للجميع وتحصينٌ للطائفة، وتحصينُها يكونُ أقوى بوحدة أبنائها وتماسكِهم، وبوحدة المجتمع الديني التي هي أساسُ وحدة الطائفة وقوّتِها. هذا ما نرجوه صادقين وما ندعو إليه مخلصين وما نسعى إليه واثقين”.
وتابع: “ولتكن مناسبةُ الأوَّل من محرَّم وبدايةُ السنة الهِجرية الجديدة حافزاً لنا لإحياء الأمل بالارتقاء إلى ما منحتنا إيَّاه مثلُ هذه الأيَّام المبارَكة عند انطلاقة الدعوة إلى هذا المسلك التوحيديّ الشريف من عزَّةِ انتماءٍ وشرفِ انتساب، وقد شكَّلتِ الدعوةُ البدايةَ والقاعدةَ لهذا الدور الجديد السعيد، منذ انبلاج صباح الأول من محرَّمَ عام أربعمائة وثمانٍ للهجرة؛ هذه الدعوةُ الأِسلامية التوحيدية التي فتحت البابَ لحركة ارتقاءٍ مطَّرد ومسافرةٍ دائمة نحو غاية الدين والرسالات السماوية، حيث الحكمةُ هي غايةُ الكتاب المُنزَل وضالَّةُ المؤمن، يبحثُ عنها في آياتِ الله المُحكَمات ويسعَى لإدراكِها بالعلم والعمل، وحيث الدعوةُ لتحقيق غايةِ الفرائض الدينية جُهدٌ متواصلٌ وتحقُّقٌ مستمرّ لتكونَ تلك الفرائضُ خصالاً توحيديةً، طوعاً لا فرضاً، ومعنىً لا مظهراً، وروحاً لا جسداً”.
وقال: “عظَمةُ التوحيد تتجلّى في هذه الدعوة المبارَكة، بأهميتّها العقائدية والاجتماعية، فإذا كانت الدعوةُ قد رسَّختِ مفهومَ التوحيد عقيدةً ومسلَكاً، وثبّتت الإيمانَ في قلوب الموحِّدين واستنهضتهم للسير قُدُماً في مراقي الخير والفضيلة، بما يعنيه ذلك من مجاهدةٍ في صقل مرآة النفس لكي يتجلّى فيها جمالُ الحقّ وكمالُ الخالق، فإنَّ هذه الدعوةَ التوحيدية أرسَت في الوقت نفسِه مبادئَ اجتماعية أساسيَّة، فحرَّمتِ الرقَّ وأطلقتِ المستعبَدين، وكرَّمتِ المرأةَ في دورِها الإنساني والعائلي والروحي والتربوي، فمنعت تعدُّدَ الزوجات، وأعطتها الحريَّةَ في إبداء الرأي والعملِ والزواج وحتى في طلب الطلاق، وأكَّدت على ضرورة فهم الحرية بالشكل الصحيح، كما حضّت الدعوةُ على تحصين الكيان الاجتماعي، بالتركيز على واجب حفظ الاخوان وصون المجتمع، وتحريم العادات القبيحة الفاسدة، وعلى الصدق في المعاملات والعلاقات مع الناس، مؤكِّدةً على ضرورة المداراة والتعامل بحذرٍ واحترام ولطف مع الجميع، فالتوحيدُ دعوةُ صدقٍ وأُخوَّة، وهو جامعٌ مشترَك، ومصدرُ أمانٍ واطمئنان، والموحِّدون صلةُ وصلٍ في مجتمعاتِهم وأوطانِهم، ودُعاةُ سلامٍ ووئام ورُسُل خيرٍ ومعروف”.
أضاف: “بعد ألفٍ وسبعةٍ وثلاثين عاماً هِجريّاً (من 408 إلى 1445ﻫ) يليق بنا أن نستفيدَ من هذا التراثِ التوحيديِّ المتراكِم عبر الأدوار والعصور، ومن تلك الثمرة الناضجةِ التي نمت شجرتُها من الأوائل والفصول إلى الحقائق والمحصول، وهل أزكى من محصول التوحيد وثمرتِه التي تغذّى نُسغُ شجرتِه بالفكر الإنسانيِّ المنبثقِ من العقل الأوّل والمعلمين الأوائل دوراً بعد دور، ومن الشرائع السماويةِ فصلاً بعد فصل، ومن الحقائق والمسالك العرفانية درجةً درجةً في مسافرةٍ لا تنتهي في درجات العلم والتعاليم؟ علَّنا نتذوَقُ لذيذَ ما تركه لنا الأنبياءُ والرُسُل والأئمّةُ والدعاةُ المنتجَبون، ونحفظُ ما ائتمنَنا عليه السادةُ الأصفياءُ المكرَّمون، ونحافظُ على ما اكتنزَه لنا السلفُ الصالح من مشايخِنا الثِّقات من سِيَرٍ وعِبَرٍ عَبر هذه المسيرةِ التوحيديّة المضمَّخة بالجِدِّ والعَناء والجهاد والصفاء، وكم هو حريٌّ بنا أن نلتقيَ فنرتقي، حيث الواجبُ يقضي أن نعيشَ التوحيدَ عيشاً صادقاً لا رياءَ فيه ولا تراجعَ ولا مراوحة، وحيث الموحِّدُ في توحيد باريه شجاعٌ غيرُ جبان؛ شجاعٌ في مواجهة التحدّيات، شجاعٌ في الثبات على إيمانِه ومعتقده مهما اشتدّت عواصفُ الأهواء والمغريات، شجاعٌ في محافظته على مكارم الأخلاق وجميل الصفات، وشجاعٌ في التشبُّث بأرضِه ووطنِه حتى الممات”.
وتابع: “من مقام النبي أيوبَ (ع)، نُطلقُ النداءَ والرجاء، داعين إلى التمسُّك بقيَمِ الأخوَّة والمحبة مع القريب والغريب، ومؤكِّدين على ثوابت صَون النفس وصَون المجتمع، إذ لا أمانَ لنا ولا ضمانَ لوجودِنا ومستقبلِنا إلَّا بتمتين ركائزِنا التوحيدية المعروفية الوطنية الثلاث: الفرض والعرض والأرض، أي التمسُكِ بالدين والأخلاق والوطن، فالإيمانُ والاعتقادُ الراسخُ سلاحُنا الأمضى في مواجهة تحدّيات القدر والحياة، ومحافظتُنا على مكارم الأخلاق والقيم المعروفية درعُنا الواقية من مخاطر العولمة وفوضى الحرية، وتعلُّقُنا بأرضِنا ومشاركتُنا الفاعلة في بناء الدولة والدفاع عن الوطن وتأكيد العيش الواحدِ فيه هو ضمانةُ سلامِنا وسلامِه، إذ لا بديلَ عنه سوى التشتُّتِ والاغتراب”.
وقال: “إننا، ومن هذه المنطَلَقات والركائز، نرى أنَّه لا بدَّ من تحمُّل المسؤولية والقيام بالواجب، في التربية العائلية أولاً، والمدرسية كذلك والاجتماعية، لغرس بذور العقيدة والإيمان والعرفان في قلوب الناشئة وعقولهم كي لا تتحكَّمَ بهم وتتقاذفَهمُ تياراتُ الإلحادِ والماديَّة، وغرسِ بذور الأخلاق والقيم والفضائل في نفوسِهم كي لا يَضعفوا أمام الأهواء والمُغريات ولمعانِ الشهوات، وغرسِ بذور التعلُّقِ بالأرض وخيراتِها وحُبِّ الوطن الذي شاء القدرُ أن ينتموا إليه كي لا تَسهُلَ أمامَهم دروبُ الإهمال والهجرة والاتّكال على الآخَرين، إضافةً إلى التربية على أهميَّة بناء الدولة بمؤسساتِها، وحماية دستورِها واحترام قوانينِها، دولةِ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، دولةِ المواطَنة لا دولةَ المحاصصة والمحسوبيات، آملينَ أن يستشعرَ المسؤولون خطر المماطلة في التجاذب وتفريغ المؤسسات، ومتسائلين عن الميثاقية في شغور بعض المواقع الأساسية من أصحابها الأصيلين، في استباحةٍ موصوفة لا تليقُ بالعدالة ولا تُطمئنُ المواطنين ولا تُعزِّزُ ثقةَ الناس بدولتِهم”.
أضاف: “فلتكنْ هذه الزيارةُ حافزاً لنا ولكم وللجميع لتعزيز الثقةِ بإيمانِنا التوحيديِّ العميق، وبمجتمعِنا المعروفيِّ العريق، وبتراثِنا الأخلاقيِّ الثمين، وبتضحياتِ أجدادِنا وسِيَر شيوخِنا وأعلامِنا، وبدورِ طائفتِنا الوطنيِّ الجامع واللاحم، فنحنُ الأصلُ ونحنُ القدوةُ ونحنُ الملاذُ ونحنُ الأملُ في بقاء الوطن، بما لدينا من إرثٍ روحيٍّ واجتماعيٍّ وعربيٍّ مُشرِّف لا يُنكرُه إلَّا الجاحدون، ومن علاقاتٍ أخويةٍ متوازنةٍ وصادقةٍ معَ الجميع لا يتنكَّرُ لها إلَّا الجاهلون”.
وتابع: “من هنا، ومن هذا المنطلَق، نُطلقُ دعوتَنا ونداءَنا للمسؤولين ولجميع اللبنانيين ليرتفعوا إلى مستوى هذا الإرث التاريخيّ وليكونوا يداً واحدةً في ردعِ الأيادي الهدَّامة وفي إعادة بناء المؤسسات والنهوض بالدولة. ومن هنا من مقام النبي أيُّوبَ(ع) نُجدِّدُ النيَّةَ والعزمَ للقيام بواجباتِنا في المجلس المذهبي ومشيخة العقل وبدعمٍ دائمٍ ومساندةٍ من القيادة الحكيمة الواعية ودعاءٍ ومبارَكةٍ من مشايخِنا الأجلَّاء، ونحن نُدركُ حجمَ التحديات والملفَّات، أكان على صعيد الوضع الاجتماعي والمعيشي، أم على الصعيد المجتمع الديني وتنظيم المجالس ورعايتِها، أم على صعيد التوعية والتوجيه الديني والنشاط الثقافي، أم على صعيد الاغتراب والحاجة الماسّة لتمتين الصِّلات وحفظِ الهويّة، أم على صعيد الأوقاف واستثمارِها وبناء المؤسسات واحتضان الشباب والاستفادة من اختصاصهم ونشاطهم، أم على صعيد الأسرة التوحيدية والمؤسسة الزوجية وكيفية صونها، أم على صعيد المحاكم المذهبية ورعايتِها، وغير ذلك من المهمات الجسام”.
وختم أبي المنى: “بعونه تعالى وببركة هذا المقام الجليل، نعاهدُ أهلَنا وأحبَّتَنا بأن نبذلَ ما بوسعِنا لصون الأمانة؛ أمانة الدين وأمانة الأوقاف وأمانة المجتمع وأمانة كرامة الطائفة وحقوقِها، وأن نكونَ معاً وإلى جانبِهم ما ٱستطعنا في مهمة حفظ الإخوان وتحصين البُنيان، بالتربية والتوعية والرعاية والعناية والدعوة الدائمة لجمع الشمل ورفع شأن الطائفة، فالله سبحانه وتعالى دعانا إلى العمل ولم يدْعُنا إلى التخاذل والتنابذ، قال تعالى: “وقلِ ٱعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون”. صدق اللهُ العظيم”.
وكانت ألقيت كلمات ترحيبية بشيخ العقل استهلها رئيس المصلحة الدينية والتربوية في المجلس المذهبي الشيخ فاضل سليم وأشار خلالها الى رمزية ومسيرة صاحب المقام النبي أيوب وأهمية تجديد نهجه الروحي.
ثم السيد غالب أبو زين باسم أهالي بلدة نيحا، متوجّها الى شيخ العقل بما “أنعم الله عليه بالتقوى وزيّنه بالبلاغة والشعر، بأن نيحا تشذو فرحاً وتسمو رفعة ايماناً بضيافتكم وروض محبتكم وأنتم ربّ البيت، وزيارتكم في هذه الظروف بريق أمل وما تؤكّدونه يومياً على سعيكم لجمع الشمل والترفع والاعتدال والتلاقي وايجاد الحلول لانتظام العمل الدستوري والمؤسسات والمبادرات التي تتلاقى مع توجّهات حضرة الرئيس وليد جنبلاط ومع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الاستاذ تيمور جنبلاط حول أهمية انتخاب رئيس للجمهورية واستكمال تطبيق الطائف والوقوف الى جانب القضية الفلسطينية من شأنه كلّه أن يعكس الإيمان بالوطن والحرص على الدولة والمجتمع”.
وشدّد على “أهمية تفعيل الثقافة الدينية العامة وتعزيز القيم والانفتاح الداخلي واقامة المؤتمرات العلمية وورش العمل للانفتاح الواعي وبذل المستطاع في غياب خدمات الدولة حيث القيادة تاريخية زمنية وروحية لتحقيق المطلوب والوصول الى برّ الامان”.
بدوره أكّد مختار نيحا نبيل عزام على “أهمية الزيارة وكل ما من شأنه تعزيز الهوية والائتلاف نحو الأفضل وتحسين ظروف الاستقبال والزيارات والاهتمام بالبنى التحتية الأساسية لا سيما الطريق المؤدّي إليه والاحتفاظ بالقوانين المرّعية”.
بعد ذلك اقيم لقاء ديني حاشد في مجلس المقام، بمشاركة الشيخ أبي المنى والمشايخ الاجلاّء: أبو صالح محمد العنداري، أبو علي سليمان بو ذياب، أبو فايز امين مكارم، أبو زين الدين حسن غنّام، أبو محمود سعيد فرج أبو هاني مسعود شهيب وأبو حسن عادل النمر وأعيان وحشد كبير من المشايخ من مختلف المناطق.