كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
لم يخرج «التيار الوطني الحرّ» من «التقاطع» مع القوى المسيحية الأخرى الذي أفضى الى التصويت للمرشح الوزير السابق جهاد أزعور خلال جلسة الانتخاب الـ 12 ، التي عُقدت في 14 حزيران الفائت. فحتى من خلال إعادة تقاربه الأخير من حليفه الشيعي حزب الله، لا يزال يعقد اللقاءات الثنائية مع أطراف المعارضة المسيحية، الأمر الذي يُرضي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، كونه يشدّد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية «بتصويت مسيحي أكثري». فهل يجري «التقاطع» على اسم مرشّح ثالث، تزامناً مع عودة المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جان إيف لودريان اليوم الثلاثاء في زيارته الثانية الى بيروت كموفد رئاسي، والذي سيُطلع خلالها الاطراف السياسية التي سيلتقيها مجدّداً على مضمون اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة أخيراً، وعلى البيان الذي صدر بعده، والذي لم يتضمّن أي اقتراح للحوار؟!
تؤكّد مصادر سياسية مقرّبة من «التيّار الوطني الحرّ» أنّ التوافق مع حزب الله على اسم رئيس الجمهورية المقبل لا يزال صعباً، حتى انّ اللقاءات الثنائية التي ستُعقد بين رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل وأي من ممثلي الحزب، لن تؤدّي الى أي «تقاطع» مسيحي- شيعي على اسم الرئيس. فالحزب لا يزال يتمسّك بمرشّحه الوزير السابق سليمان فرنجية، ولا ينوي التخلّي عن مرشحه في المدى القريب، إنّما سيحاول إقناع الآخرين به. في حين أنّ القوى المسيحية التي تقاطعت على اسم أزعور، والتي كانت تعلم أنّه لا يمكنها إيصاله الى قصر بعبدا، ومضت في «التقاطع» بهدف التأكيد على أنّه لا يمكن تمرير الرئيس من دون موافقتها عليه، فلا تزال تدرس مسألة الاستمرار في التصويت لأزعور في أي جلسة نيابية مقبلة، لا سيما مع «اللقاء الديموقراطي»، أو «التقاطع» على اسم مرشّح آخر.
في هذا الوقت كان «الوطني الحر» يريد، على ما أوضحت المصادر، دفع حزب الله الى التقاطع مع القوى المسيحية على اسم رئيس الجمهورية المقبل، كون هذا الأمر يسهّل عملية الانتخاب، غير أنّه لم ينجح. ولهذا فهو سيستمرّ في التقاطع مع قوى المعارضة، ليس بالضرورة على اسم أزعور، إنّما على أي اسم آخر ممكن أن يتمّ التلاقي حوله. فموافقة «الوطني الحرّ» على التصويت لفرنجية لن تحصل، مهــما حمل لودريان من تمنيات أو ضغوطات ، لا سيما مع تلويح الولايات المتحدة بفرض العقوبات على المعطّلين خلال محادثاته لتسهيل انتخاب الرئيس.
أمّا محادثات لودريان التي ستستمر على مدى يومين في لبنان، فسيجريها مع جميع الأطراف على خيار جديد، بعد أن أصبحت «المبادرة الفرنسية» وراءه، كونها لا تلقى قبولاً لا من الداخل ولا من «الخماسية».. فالتفتيش سيبدأ على أسماء جديدة للمرشحين للرئاسة، غير تلك المطروحة، وإن كان فرنجية مستمر في ترشيحه على ما أُعلن، رغم ما سيطرحه لودريان على المسؤولين السياسيين لاستطلاع الآراء حول الخيار الثالث، الذي قد يكون قائد الجيش العماد جوزف عون أو أي اسم آخر. علماً بأنّ المواقف لم تتغيّر منذ زيارة لودريان الأولى، ما سيجعله يسمع المواقف نفسها من القوى السياسية لأنّ شيئاً لم يتغيّر.
وقالت المصادر انّ عدم التقارب بين «الوطني الحرّ» والحزب على اسم الرئيس، لا يعني أنّ الطريق مسدود أمام توافقهما على ملفات أخرى. فحليفا الأمس لا يزالان متفقين على إعادة النازحين الــسوريين الى بلادهم، وتطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة التي ينصّ عليها «اتــفاق الطائف»، وعلى قانون الانتخاب، وعلى عدم تخصيص أي وزارة لطائفة معيّنة، وسوى ذلك. ولهذا، فالحوار بينهما لن يكون مقطوعاً في المرحلة المقبلة، ولكنّه سيحصل متى يحين الوقت للبحث في ملف مشترك معيّن باستثناء الاستحقاق الرئاسي.
وفي الوقت ذاته، فإنّ التوافق على انتخاب الرئيس لن يحلّ كلّ المشاكل والأزمات، على ما شدّدت المصادر عينها، الأمر الذي يفرض على الجميع الاتفاق على الإصلاح وعلى تحسين الوضع الاقتصادي، لكي يبقى اللبنانيون في بلادهم ولا يهاجر جميعهم، إذ يكفي هجرة أكثر من 250 ألف لبناني خلال السنتين الأخيرتين. لهذا على الأطراف التفاهم أيضاً على مرحلة ما بعد الانتخاب، من دون انتظار لودريان أو «الخماسية»، لأنّ المرحلة المقبلة تتعلّق بلبنان كوجود وككيان، وبقائه كدولة استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط أو زواله، على ما بشّر لودريان في مرحلة سابقة.