كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
تنتقل «عدوى» الشغور الفتّاكة من مكان إلى آخر في داخل الدولة الآخذة في التحلّل مفصلاً تلو مفصل، وهي ضربت منذ الآن موعداً مع اليرزة بعد نحو 5 أشهر، ما لم يتمّ حتى ذلك الحين انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة يتوليان تعيين قائد جديد للجيش.
تنتهي ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون في كانون الثاني المقبل، تاريخ إحالته إلى التقاعد. للوهلة الأولى، ربما يتهيأ للبعض انّه لا يزال هناك متسع من الوقت قبل أن يصبح الخوف من شغور موقع «القائد» مشروعاً، لاسيما انّ انتخاب رئيس الجمهورية قد يحصل خلال الأشهر القليلة المقبلة.
لكن من لدغتهم التجارب المريرة يلفتون إلى انّ الأزمات اللبنانية غالباً ما تلتهم الوقت بشراهة، وبالتالي فإنّ الأشهر الخمسة الفاصلة عن انتهاء خدمات العماد عون في اليرزة ستمر سريعاً على إيقاع المناكفات او الكيديات الداخلية التي تكاد لا تسلم منها اي مؤسسة رسمية، بدءاً من رئاسة الجمهورية.
من هنا، فإنّ تفادي مزيد من «الكوابيس» يتطلّب انجاز الانتخابات الرئاسية على عجل، وإلّا فإنّ رياح الشغور ستعصف بقيادة الجيش أيضاً وستعرّض الاستقرار الأمني الى اختبار صعب، إذ انّ حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على تعيين بديل عن عون، خصوصاً وسط غياب رئيس الجمهورية.
والأسوأ انّ رئيس الأركان (درزي) الذي ينبغي أن يحلّ تلقائياً في مركز القيادة عند شغوره، غير موجود حالياً لتعذّر تعيينه بعد تسريح اللواء أمين العرم الذي أُحيل إلى التقاعد في 24 كانون الأول الماضي، مع الإشارة الى انّ قانون الدفاع يلحظ بوضوح في مادته الـ27، أنّ رئيس الأركان هو الذي ينوب عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامّه وصلاحيّاته طوال فترة غيابه.
وعلى الرغم من اّن الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حاول إقناع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بوجوب ان يسهّل تعيين رئيس اركان جديد، عبر الوزراء الذين يمون عليهم في الحكومة بدءاً من وزير الدفاع موريس سليم، الاّ انّه لم يفلح في محاولته وأصرّ باسيل على موقفه الرافض ربطاً بالافتقار الى وجود رئيس الجمهورية وحكومة أصيلة مكتملة الصلاحيات.
وقد وافق «الاشتراكي» آنذاك على تعيين قائد اللواء الحادي عشر العقيد حسان عودة رئيساً للأركان، «علماً انّه ليس معنا في السياسة ولكن وليد جنبلاط اعتبره الأحق بتولّي المركز على قاعدة الأقدمية، بمعزل عن قربه او بُعده في السياسة»، وفق تأكيد مصادر «اشتراكية» تلفت إلى انّ عودة هو من خريجي دورة ميشال عون الشهيرة ويقيم في المنطقة الشرقية من بيروت وزوجته مسيحية، «الّا انّ كل ذلك لم يشفع له لدى التيار».
امام هذا الواقع المقفل، فإنّ تقاعد العماد عون في كانون الثاني المقبل في ظل غياب رئيس الاركان وشلل المجلس العسكري الفاقد للنصاب، إنما يعني وفق رأي البعض انّ عضو المجلس العسكري اللواء الركن بيار صعب هو من سيتولّى القيادة بالوكالة، ترجمة بمبدأ استمرارية المرفق العام، وهذا ما يبدو أنّه يلقى اعتراضاً حتى داخل اوساط في الجيش نفسه.
وضمن سياق متصل، تبدي المصادر «الاشتراكية» خشيتها من «عوارض جانبية» قد تنتج من هذا الخيار، منبّهة الى انّه سيكون من الصعب معنوياً على كبار الضباط وقادة الوحدات تلقّي الاوامر من عضو في المجلس العسكري، إضافة إلى انّ هناك رأياً قانونياً لا يقرّ اساساً جواز انتقال الصلاحيات الى غير رئيس الأركان.
وتشير المصادر الى انّ رئاسة الأركان لها هيبتها ومكانتها، وهي الرقم 2 في التراتبية العسكرية، ومن يشغلها يتولّى على نحو طبيعي، بحكم القانون، مهام قائد الجيش عند خلو المنصب لأي اعتبار، وبالتالي فإنّ الأمر لا يسبّب اي حساسية لدى باقي الضباط.
وتنبّه المصادر الى محاذير الشغور التمدّد في كل الاتجاهات، معتبرة انّ من يفترض انّه يستطيع استخدام الفراغ للإمساك بزمام الأمور وتحسين شروطه التفاوضية، انما يخوض نوعاً من المقامرة او المغامرة التي لا يمكن ضمان نتائجها، لأنّ تعميم الفراغ يشكّل تهديداً لأصل الدولة.