كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
لن ينجو أي مواطن من رزمة الضرائب التي حملها مشروع موازنة 2023 الذي يبتعد كل البعد عن العدالة الاجتماعية، والذي يفرض ضريبة متساوية على الميسور والمنتج والمعدوم والمستثمر، وكأنّ المطلوب «تشليح» الناس ما تبقّى لديها من اموال من دون تقديم أي خدمة لهم في المقابل… فهل من يجرؤ من النواب على تقديم طعن بالموازنة؟
قبل الأزمة كان المجتمع ينقسم ما بين طبقة متوسطة بمدخول مقبول تشكّل نحو 80% من اللبنانيين والـ20% المتبقية كانوا من المسحوقين، الّا انّ الأزمة التي تكشفت في نهاية العام 2019 قلبت المعادلة القائمة رأسا على عقب، بحيث انّ خسارة الودائع واحتجازها وانهيار سعر الصرف مقابل الدولار في ظلّ غياب أي خطة اصلاحية اقتصادية، حوّلت نحو 80% من الشعب إلى طبقة فقيرة و20% فقط لا تزال لديه القدرة الشرائية. وبدل ان تضع الدولة حلولاً وخططاً لمعالجة الخلل، عمدت في الموازنات المتلاحقة إلى فرض ضرائب تغيب عنها العدالة الاجتماعية، وستؤدي الى اتساع رقعة الطبقة المعدومة والغَرف ممن لا يزال قادراً على الاستهلاك، بهدف تغطية نفقاتها، مع علمها انّ كل ما ستغرفه لن يكفي لسدّ عجزها، في غياب الاصلاحات، بل سيؤدي إلى إفقار من لا تزال لديهم قدرة شرائية ويحرّكون الاقتصاد والذين باتوا لا يمثلون أكثر من 20% من الشعب.
وقد برز ذلك خصوصاً من خلال بعض الضرائب التي لحظها مشروع موازنة 2023، والتي تغيب عنها العدالة الاجتماعية، وتطعن بالقطاع الخاص الذي يحاول الصمود رغم التحدّيات، من خلال تحميله مزيداً من الأعباء والضرائب والرسوم.
وفي السياق، يؤكّد رئيس جمعية الضرائب اللبنانية هشام مكمل لـ«الجمهورية»، انّ الضرائب المفروضة اليوم في مشروع موازنة 2023 غير محقة بسبب غياب اي خدمات تقدّمها الدولة في المقابل لمواطنيها. ورأى انّ الضرائب المفروضة تمسّ الطبقة المعدومة تماماً كما تمسّ الطبقة الميسورة، مع فارق انّ الاخيرة تملك القدرة على دفع الضرائب بينما هي تزيد من إعدام الطبقة الفقيرة.
وقال: «تستقطع الموازنة ضرائب من الطبقة المعدومة ويتمّ تحميلها أعباء ورسوماً اضافية رغم رواتبها الزهيدة، ولا تحصل في المقابل على اي خدمات، علماً انّ الفواتير تضاعفت من مياه وكهرباء واتصالات وتعليم… وفي الوقت نفسه يدفع هؤلاء فاتورتين لكل خدمة مثل فاتورة مياه للدولة وأخرى لصاحب «السيترن»، فاتورة كهرباء للدولة واخرى لصاحب المولد…
أضف الى ذلك، لم تكتفِ الدولة بالاقتصاص من المداخيل الزهيدة لمعدومي العافية، بل فرضت عليهم مزيداً من الضرائب والرسوم بطرق مباشرة وغير مباشرة. وتتجلّى الطرق المباشرة للضريبة بفرضها على مداخيلهم، اما الطرق غير المباشرة فتكمن بفرض الرسوم على المواد الاستهلاكية».
وتساءل مكمل: «هل من المعقول فرض ضريبة على أموال المودع لدى المصارف في حال الوفاة واستقطاع الضريبة في حين انّه لا يزال حتى اليوم غير قادر على سحب وديعته؟ هل يُعقل ان تفرض الدولة ضريبة على اموال لا نستطيع اصلاً الحصول عليها؟».
الى جانب ذلك، تفرض الدولة في الموازنة ضريبة رواتب واجور على المداخيل، ومن غير الواضح بعد كيفية احتساب الدولار لمن مدخولهم بالدولار الفريش؟ هل سيُحتسب وفق دولار 15 الفاً؟ او وفق سعر صيرفة؟ او وفق سعر السوق الموازي؟ الجواب غير واضح بعد، لكن للتذكير، فقد ورد في موازنة 2022 احتساب الضريبة على الرواتب بالدولار وفق سعر السوق السوداء ولاحقاً وفق سعر صيرفة، الّا انّ الامر انتهى باحتسابه وفق دولار 15 الفاً. لكن هل ستبقى طريقة الاحتساب هذه نفسها في موازنة 2023؟ بالطبع لا، خصوصاً انّ تعديلات ستلحق بالتنزيلات العائلية والشطور الضرائبية بشكل يوازي قيمة صيرفة، لذا نحن نتخوف من احتساب ضريبة الرواتب بالفريش دولار وفق دولار صيرفة، مع العلم انّ الدولة لم تعترف بعد بإدخال زيادات غلاء المعيشة ضمن صلب الراتب في القطاع العام، بينما هي تفرضه على القطاع الخاص وتنوي إخضاع هذه الزيادة على تعويض نهاية الخدمة وتطالب برفع اشتراكات الضمان الاجتماعي غير مكترثة بالضرر الذي سيلحقه ذلك بالقطاع الخاص.
انطلاقاً من ذلك، نسجّل مأخذاً جديداً على الموازنة لأنّها لم تأخذ بالاعتبار كيفية المحافظة على ما تبقّى من القطاع الخاص الحامي للاقتصاد ولليد العاملة.
أما عن الضرائب غير المحقّة التي تطال القطاع الخاص بشكل عام والطبقة الميسورة بشكل خاص، فتتمثل خصوصاً بفرض ضريبة بنسبة 10% على مساهمات واستثمارات اللبناني خارج لبنان، شارحاً انّ كل اللبنانيين يسعون اليوم الى الاستثمار خارج البلاد من اجل الحفاظ على وجودهم داخل لبنان وخارجه، والمستثمر خارج البلاد هو من يساعد في استمرارية العامل في لبنان. وبرأي مكمل، «ما الغرض من استحداث هذه الضريبة سوى «تهشيل» اللبناني من ارضه خصوصاً انّها أتت بعد الأزمة، وبعدما سُرقت امواله واحتُجزت؟».
كذلك هناك مشروع فرض ضريبة بنسبة 2% على إيرادات الأشخاص والشركات (المقيمين خارج لبنان) الذين يقدّمون خدمات لصالح الأشخاص داخل لبنان عبر الإنترنت.
من جانبه يرى الخبير في الشؤون المالية والضريبية جمال القعقور لـ«الجمهورية»، انّ السياسة الضريبية المتبعة لا تزال نفسها منذ العام 1992 على قياس الأغنياء، اي فرض ضرائب على الناس من دون المسّ بأصحاب رؤوس الاموال، لا سيما منها الضريبة على القيمة المضافة التي رُفعت الى سعر صيرفة، ما يعني فرض غلاء على كل المواطنين، لتحقق في الخلاصة مداخيل للدولة وفق سعر صيرفة، بينما الرواتب والإنفاق وميزانية الخدمات الاجتماعية والصحية فلم تُحتسب وفق صيرفة، ما يُظهر بشكل فاضح عدم التوازن في الموازنة.
كذلك بالنسبة الى مداخيل الأملاك البحرية التي زادت بنسبة ضئيلة جداً عمّا كانت عليه في موازنة 2022 بما يعني انّها لم تُحتسب وفق سعر صيرفة، ما يثبت عشوائية الموازنة وارقامها التي تهدف فقط الى تحصيل الاموال من الناس بعيدة كل البعد من المعايير والضوابط والقوانين العالمية المعتمدة في الدول المحترمة، التي تفرض ضرائب تصاعدية على الدخل اكثر من الضريبة على الاستهلاك.
ورأى قعور انّ هناك العديد من الحلول الضريبية التي لم تشر اليها الحكومة من بينها قيمة الضرائب والرسوم الواجب تحصيلها من الاملاك البحرية التي كما هي راهناً لا تعكس واقع الحال. لذا يجب اعادة النظر بها. كما طالب بفرض ضريبة على المقيمين في لبنان والذين يجنون فوائد من إيداعاتهم الخارجية، كما يجب ان يجيز مجلس النواب للحكومة اتخاذ الاجراءات والمراسيم التطبيقية لتنفيذ هذا البند.