كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
بعد تسعة أشهر من العمل واللقاءات التي عقدتها في المجلس النيابي وخصّصت لملف النازحين السوريين، خلصت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين الأسبوع الماضي إلى جملة من التوصيات رفعتها إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يُفترض أن يُحوّلها بدوره إلى الحكومة، لكي تأخذ مسارها إلى التنفيذ، كون مضمون هذه التوصيات يُعبّر وللمرة الأولى عن موقف لبناني موحّد تجاه معالجة ملف النزوح السوري.
وعلمت «نداء الوطن» أنّ التوصيات التي تمّت صياغتها بدقّة متناهية، جاءت لتُعبّر عن إجماع مختلف الكتل النيابية والقوى الحزبية والسياسية في لبنان، لجهة ما تكبّده لبنان واللبنانيون جرّاء استضافة النازحين على مدار 12 عاماً، والحرص خلال كل هذه السنوات على احترام حقوق الإنسان وكرامة النازح في مختلف المناطق.
التوصيات التي سيتمّ تعميمها، يُفترض إيصالها إلى كل نائب في البرلمان الأوروبي وللجهات الدولية، بعد أن تمرّ في مسارها وتصل إلى الحكومة.
محورا التوصيات
وقد قُسّمت التوصيات إلى محورين:
المحور الأول، تناول الخطوات والإجراءات التي يُفترض أن تُتخذ على الصعيد الوطني، والثاني تمحور حول العلاقة مع الجهات الدولية والدول المانحة.
وفي المحور الأول، تمّ التركيز على توحيد الجهة الرسمية التي يُفترض أن تُتابع هذا الملف برئاسة رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، وضرورة دعم المؤسسات الرسمية والأمنية المعنية بملف النازحين، وتنفيذ مقترحات اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الملف محلياً وعربياً من خلال التواصل مع جامعة الدول العربية، وضبط المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا ومكافحة عمليات التهريب بالاتجاهين، إدارة الوجود السوري الموقت في لبنان وتطبيق القوانين الضريبية والرسوم البلدية بشكل صارم، حماية اليد العاملة اللبنانية من خلال تنفيذ قانون العمل والتشدّد في الرقابة وتطبيق القوانين النافذة والتي تُنظّم عملية دخول الأجانب إلى لبنان والعمل فيه والخروج منه.
كما أوصت بإعداد مشاريع واقتراحات قوانين للإعفاء من الرسوم لمن يرغب في العودة من النازحين، الطلب إلى وزارة الداخلية التشدّد في تسجيل الولادات الجديدة بين النازحين تفادياً لنشوء واقع قانوني من مكتومي القيد، تصنيف النازحين ما يُساعد على إسقاط صفة النازح عن المتردّدين إلى سوريا، وإيجاد آلية للتواصل مع الحكومة السورية والتعاون معها ومع المنظمات الدولية لتحقيق عودة النازحين، والاستفادة من التقارب العربي للمساعدة في هذا الملف وتفعيل دور لبنان في اللجنة العربية الخماسية التي انعقدت في عمان، بصفته من دول الطوق التي تستضيف النازحين لكي تكون العودة مشروعاً مشتركاً منظماً بلا مزايدات أو معوقات.
أما المحور الثاني فركّز على دور الدولة اللبنانية في الدفاع عن المصلحة الوطنية العليا واحترام السيادة والمسؤولية المشتركة على الحكومتين اللبنانية والسورية والمجتمع الدولي تجاه هذا الملف، الطلب من الأمم المتحدة بأن يكون لها دور في إعادة النازحين واعتماد سلّة حوافزها، منها دفع المساعدات الإنسانية في سوريا، الإستفادة من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ولا سيّما منها المتعلّق بخطة التعافي المبكر الصادر عام 2021، والذي يُمكن أن يكون المدخل لتسريع العودة إلى الداخل السوري، عن طريق الإستفادة من المساعدات في مختلف المجالات من دون تعرّض الدول المانحة لعقوبات «قانون قيصر».
وطالبت التوصيات بتوقيع مذكرة تفاهم بين لبنان والأمم المتحدة بشأن مشاركة البيانات المحدثة الخاصة بالنازحين، وتسليم الداتا الكاملة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR للدولة اللبنانية ومتابعة وتحديث قاعدة البيانات من قبل وزارة الداخلية بالتعاون مع الوزارات المختصة، الطلب والإصرار على مفوضية اللاجئين للتعاون مع الدولة المضيفة للنازحين، ضبط النزوح والعمل على برمجة إعادة النازحين كي لا يتحوّل وجودهم إقامة دائمة، العمل مع الأمم المتحدة من أجل توزيعهم على دول أخرى في حال تعذُّر عودتهم إلى بلادهم، تزويد الدولة اللبنانية بالشروط التي تعتبرها مفوّضية اللاجئين غير مجتمعة لعودة النازحين، التعويض العادل للدولة اللبنانية بدلاً من الأعباء الجسيمة التي ترتّبت بسبب النزوح، والطلب من الهيئات الأممية دفع المستحقات المتوجّبة عليها من إيجارات وعقود استثمار تخصّ النازحين في الدولة اللبنانية المبرمة حسب الأصول الدولية ولم يتمّ تسديدها منذ سنوات، واقتصار معونات المنظمات الدولية على الضروري من حاجات النازح في لبنان وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية.
وسبق للجنة أن ذكّرت في جلستها الأخيرة بمخالفة قرار البرلمان الأوروبي مقدمة الدستور اللبناني الذي لم يسمح بالتوطين بأي شكل من الأشكال، وكذلك مخالفته اتفاقية اللاجئين المقرّة في جنيف في 28 تموز 1951 وبروتوكولها الخاص الصادر في 31 كانون الثاني 1967 اللذين يفرضان بحسب الآلية المطبّقة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين موافقة الدولة المعنية على أي إجراء من هذا القبيل.
كذلك، فإنّ لبنان لم يوقّع الاتفاقية الدولية الخاصة باللجوء كون مساحته وواقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي لا يسمحان له بأن يكون بلداً مضيفاً لفترات طويلة لهذا العدد من النازحين. وقد برز ذلك في مذكرة التفاهم بين مديرية الأمن العام اللبناني ومفوضية اللاجئين والموقّعة في 9 أيلول 2003، وقد أكدت في مقدّمتها أنّ أي طلب توطين يتقدّم به اللاجئ إنما يكون المقصود به هو توطين في بلد ثالث وليس في لبنان.
في الخلاصة، يبدو أن هناك موقفاً شبه إجماعي حول معالجة هذا الملف، وقد وُقّعت عريضة نيابية أمس الأول تُطالب الحكومة بإعادة النازحين إلى بلدهم، فهل ستسلك هذه المطالب والتوصيات طريقها نحو التنفيذ؟