كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
في سبيل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية يحاول المؤثّرون تقديم الاقتراحات التي قد تُفرج عن هذا الاستحقاق الدستوري. لكنّ الاقتراح المطروح من الخارج وخصوصاً من دول اللجنة الخماسية من أجل لبنان (الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، السعودية، قطر ومصر) ليس كالاقتراح الصادر عن جهة داخلية، إذ فيما لا تداعيات من رفض القبول بالطروحات الداخلية، ليس من السهل مواجهة الدول الخمس التي تسعى إلى اختراق الجدار اللبناني رئاسياً.
البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي طرح أخيراً عقد دورات انتخابية متتالية لانتخاب الرئيس العتيد من بين المرشحَين المطروحَين، فإذا تعذّر ذلك يُعقد حوار للوصول إلى مرشح ثالث. هذا الطرح لم يلقَ أي تجاوب. وعلى عكس طرح الراعي، أتى اقتراح اللجنة الخماسية عبر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي التقى القياديين السياسيين المعنيين باسم الدول الخمس كلّها وليس باسم بلاده. فحمل طرحاً يقضي بالحوار أولاً ثمّ عقد جلسات انتخابية متتالية. طرح الحوار هذا أتى مراعياً هواجس كلا الطرفين المختلفين رئاسياً وليس كما يشتهي «الثنائي الشيعي». فبدلاً من عبارة «حوار» استخدم لودريان مصطلح «إطار عمل» أو «اجتماع عمل» (Une réunion de travail). نتيجةً لمشاوراته الداخلية في زيارته السابقة، حدّد لودريان مكامن الخلاف، ونقلها إلى ممثّلي اللجنة الخماسية، ومنها أنّ هناك فريقاً يريد حواراً (الفريق المؤيّد لرئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية وتحديداً «الثنائي الشيعي») وآخر يرفض هذا الحوار (معارضون وتغييريون ومستقلّون وخصوصاً الأحزاب المسيحية المعارضة) ويتوجّس منه. هذا التوجّس تلاقى مع رفض خارجي، وخصوصاً مع رفض سعودي، لحوار يفتح الباب أمام تعديلات دستورية أو المسّ بـ»اتفاق الطائف». فكانت التخريجة، طرح «اجتماع عمل» محدود بالزمان والبنود، على أن تليه جلسات انتخابية مفتوحة.
لودريان كان واضحاً ومباشراً مع الذين التقاهم. وبحسب جهات التقته، شرح الموفد الفرنسي أنّ الطرح الذي يحمله يوفّق بين طالبي الحوار ورافضيه. وبالتالي، أتى لودريان ليبلغ إلى رافضي الحوار أنّ خشيتهم أخِذت في الاعتبار، مطمئناً إلى أنّ ما يطرحه «جلسة عمل» من دون أن يسمّيها حواراً، الهدف منها البحث في نقطتين محدّدتين: مواصفات رئيس الجمهورية العتيد والمهمّات المنتظرة منه. ويلي جلسةَ العمل هذه غير المفتوحة زمنياً، والتي قد تُعقد ليوم أو اثنين، دفعٌ من اللجنة الخماسية في اتجاه انتخابات رئاسية في دورات متتالية.
لودريان كان صريحاً وأبلغ إلى من التقاهم، بعد شرح الطرح الذي يحمله، أنّ «هذه الفرصة الأخيرة لكم كلبنانيين، وعليكم أن تدرسوها وتتلقّفوها»، مشدّداً على أنّه لا يتحدث الآن باسم فرنسا بل باسم الدول الخمس.
بهذا الطرح بُدّدت هواجس رافضي الحوار خوفاً من طرح ما هو أبعد من الرئاسة. كذلك أتى الاقتراح بصيغة تمنع المراوغة في «حوار طرشان» لا يوصل إلى نتيجة ويشكّل «منفذاً» لمعطّلي الانتخابات الرئاسية لنقل مسؤولية الشغور الرئاسي من النوّاب المعطّلين إلى المتحاورين. فهل تقبل المعارضة بهذه الصيغة من «الحوار» مهما كانت تسميتها، وتحديداً حزب «القوات اللبنانية» والأحزاب المسيحية؟
في ما يتعلّق بمضمون «جلسة العمل» المطروحة، تعتبر جهات معارضة، أنّ موقف المعارضة من هذا النقاش المرتبط بمواصفات الرئيس العتيد واضح، وحُدّد منذ عشرة أشهر. فاختيار ترشيح النائب ميشال معوّض ثمّ الوزير الأسبق الدكتور جهاد أزعور أتى بناءً على «المواصفات».
في شكل إعلان الموقف من طرح لودريان، استمهلت «القوات اللبنانية» وغيرها من أحزابٍ معارضة الموفد الفرنسي لإعلان الموقف، انطلاقاً من أمرين أساسيين: لا داعي للعجلة ولا يزال هناك متّسع من الوقت حتى أيلول المقبل، السعي إلى الخروج بموقف واحد لكلّ مكوّنات المعارضة انطلاقاً من أنّ هذا الموقف يكون وقعه أقوى من المواقف المتفرّقة إن كانت متشابهة أو متعارضة. إنطلاقاً من ذلك، ستنكبّ مكوّنات المعارضة على درس الردّ على اقتراح اللجنة الخماسية. وهذا البحث سيتركّز على سؤالين ووجهتي نظر: هل يجب رفض المشاركة في «اجتماع العمل» مسبقاً انطلاقاً من نتائجه المعروفة سلفاً في ظلّ تمسّك «الثنائي الشيعي» بمرشحه ومنطقه؟ أم يجب التجاوب مع الدول الخمس والمشاركة في هذا الاجتماع لإظهار «عدم عرقلة» هذا الاقتراح من جهة و»إحراج» الفريق الآخر بإظهار أنّه يعطّل الانتخابات الرئاسية إذا ظلّ متمسّكاً بمرشحه ورافضاً الرضوخ لاحقاً إلى الآلية الانتخابية الدستورية، فيظهر للجنة الخماسية، أنّ هناك فريقاً يجلس إلى طاولة الاجتماعات مع الفريق الآخر، لكنه لا يتردّد في تعطيل الانتخابات؟
وتأخذ المعارضة في الاعتبار خلال مشاوراتها، عوامل عدّة دافعة في اتجاه المشاركة في «اجتماع العمل»: «الحق الكذاب على باب الدار»، لكن هذه المرّة مع فارق كشفه وتعريته أمام المجتمع الدولي، هذا الاجتماع- الحوار يحصل لمرّة واحدة وليس مفتوحاً وتليه جلسات انتخاب مفتوحة، كشف إمعان الفريق الآخر في التعطيل مع ما قد يلي ذلك من عقوبات على المعطّلين سبق أن لوّحت بها اللجنة الخماسية، الدول الخمس سبق أن أصدرت بياناً على المستوى الرئاسي لصالح القوى المعارضة ينصّ على التزام النصوص المرجعية والسيادية و»اتفاق الطائف» والقرارات العربية، عدم منح الفريق الآخر مبرّراً للقول إنّ المعارضة لا تتجاوب مع طرح اللجنة الخماسية وبالتالي تتحمّل مسؤولية الشغور.
اجتماع تنسقي للمعارضة
وبدأت المعارضة بحثها في القرار الذي يمكن أن تتخذه على هذا المستوى، مع انتهاء زيارة لودريان. وستكون الاتصالات في ما بين مكوناتها مفتوحة وهي قائمة أساساً سواء ثنائياً أو جماعياً. في هذا الاطار عُقد أمس اجتماع ضمّ نواباً من «القوات» و»الكتائب» و»تغييريين» ومستقلّين. وقالت مصادر معنية إنّ هذا الاجتماع كلاسيكي يأتي في سياق الاجتماعات المتواصلة للمعارضة، وهو يُعقد أسبوعياً، تحديداً بين النواب الذين أعلنوا ترشيح أزعور من منزل معوض، إلّا أنّ معظم اللقاءات التنسيقية لا تعلن، على رغم أنّها مستمرّة ومتواصلة.