كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
يصعب التكهّن بما تحمله المرحلة المقبلة للدوائر الرسمية، في ظلّ الإهتراء الذي تشهده، وتوغّل الفساد في أروقتها، وتعطيل بعضها بسبب إضراب القطاع العام. أمام هذا الواقع، يتطلب إنجاز أي معاملة في الشؤون العقارية بالنبطية وقتاً طويلاً، ولكن حين يحضر المال «تمشي المعاملة»، كما يقول أحد المعقّبين، في إشارة واضحة وفاضحة لحجم الفساد المستشري تحت ستار «مقتضيات الضرورة».
أكثر من 7 أشهر ومعاملة «عليّ» متوقفة، لأنّه رفض دفع رشوة لإنجاز تسجيل عقار، وسط مماطلة أسبوعية بذريعة «تراكم المعاملات أمام الموظفين». أمّا إبراهيم، فتسنّى له إنجاز معاملته في غضون أسبوع فقط، إذ دفع مبلغ 200 دولار للموظفين. لكلّ توقيع ثمنه ويختلف السعر حسب نوع المعاملة وقيمتها. أغلب من دفع يؤكد أنه «يريد إنجاز معاملته رغم معرفته أن تصرّفه يشجّع على الفساد أكثر فأكثر».
في العادة تُفتح الدوائر العقارية يومين في الأسبوع وفق جدول العمل. لكن عمليّاً، تعمل العقارية طيلة الأسبوع، فهي تدر أموالاً طائلة إلى جيوب الموظّفين الذين يحضرون بحجة تسيير أعمال إدارية. وتشير مصادر متابعة إلى أنهم «يفتحون لتمرير المعاملات الدسمة»، مضيفة أنّ «هذا الواقع أصبح عادياً، والكلّ يعلم به، حتى المواطن لا يحضر من دون أمواله لإنجاز معاملته». يُقال عن هذه الدائرة أنها «مغارة علي بابا»، ويصفها البعض بأنها «منجم ذهب للموظفين»، فأقل معاملة تحتاج بين 100 و200 دولار، ما يشجع الموظفين على إنجاز المزيد لتحقيق الأرباح.
لا شكّ في أنّ الإنهيار الإقتصادي والمالي، ساهم في انكفاء الدوائر عن القيام بواجباتها ومعها نامت المعاملات في الأدراج، وشكّل رفع الضرائب وفق سعر صيرفة، الضربة القاضية للمواطن الذي يدفع ثمن الإضراب والضرائب. يلفت أحد المواطنين إلى أنه «تقدم بمعاملته قبل 8 أشهر وكانت تكلّفه 10 ملايين ليرة ضريبة للدولة. أما اليوم فارتفعت إلى 470 مليون ليرة، ما دفعه إلى وقف معاملته، سائلاً: «من يملك هذا المبلغ؟».
في المقابل، استفاد كثيرون من الإقفال، وتمكّنوا عبر الرشى من تسجيل عقاراتهم وإنجاز معاملاتهم، ويقول أحد المعقّبين: «من دفع نجا من الضريبة، ومعظمهم من أصحاب الأموال. أما الفقراء، فأكلوا الضرب».
لا عجب في أن تكون المعاملات «بسمنة أو بزيت»، وما «صبَّ الزيت على النار» هو التضخّم غير المبرّر للرسوم، الذي كسر ظهر المواطنين الراغبين في تسوية أوضاع عقاراتهم وأراضيهم. في هذا السياق، كشف مصدر متابع أنّ «بعض المعاملات المخالفة يُنجز بـ100 دولار أميركي، ومن لا يدفع تنام معاملته أشهراً». وأكد أنّ «بعض الموظفّين يحقّقون أرباحاً يومية تصل إلى 2000 دولار بفضل الرشى. وآخرون 5 ملايين ليرة، أي حسب المنصب والملف»، لافتاً إلى أنّ الدولة شجّعت على هذا الفلتان السائد، فالموظف يعتمد على ما يعتبره «إكرامية» لتأمين متطلبات الحياة، بعدما فقد راتبه قيمته ولم يعد يساوي شيئاً». وقال إنّ»دولرة الرسوم، جعلت الإقبال على إنجاز المعاملات خجولاً، فأقل معاملة تحتاج حوالى 500 مليون ليرة، ما حصر المهمّة بالأثرياء فقط».
ما يجري في الدوائر العقارية، ينسحب أيضاً على بعض البلديات والدوائر الأخرى، إذ وصلت كلفة إفادة التخمين إلى 20 دولاراً والحبل على الجرار. في دوائر النبطية، تُنجز المعاملات المدفوعة مسبقاً، حتّى لو كان الملف تحت سابع أرض، أما المعاملات غير المرفقة بـ»الإكراميات» فتطوى في أدراج النسيان. هذا غيض من فيض، فهل حان وقت خصخصة الدوائر الرسمية لتطهيرها وإنقاذها من أمراض الفساد المزمنة؟