كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
من 1200 إلى 350، انخفض عدد التلميذات في إحدى الثانويات الرسميّة الكبرى في منطقة الجنوب بين 2019 و2023. «الهجرة» من المدرسة الرسميّة واضحة على مستوى لبنان كلّه. في جبل لبنان، أيضاً، تفرغ الثانويات من تلامذتها بشكل متزايد، بشكل يهدّد حتى استمراريتها. وتشير مصادر في وزارة التربية إلى «توجّه نحو دمج عدد من المدارس الرسميّة لتوفير الأموال التشغيليّة وبدلات حصص الأساتذة من المتعاقدين»، بعدما تراجع عدد تلامذة بعضها من 550 إلى 100 تلميذ العام الماضي فقط.
من دون خطة واضحة، للعام الرّابع على التوالي بعد جائحة كورونا، يستمر نزف التلامذة من المدارس الرسمية. «نخاف نهاية المدرسة الرّسمية» يقول الأساتذة، وما يجري اليوم من محاولات دعم محليّة من الأحزاب والبلديّات لا يخرج عن خانة الترقيع، إذا لم يجرِ تأمين أدنى مقومات العيش للأستاذ. وبالتالي «التعليم الرّسمي في سقوط مستمر، ونعيش خطر الوقوع تحت سيطرة الجمعيات الأجنبية على قرارنا، ما يعني الهزيمة الكاملة».
«الهجرة» لا تقتصر على التلامذة فقط، إذ إن عدداً لا يستهان به من الأساتذة يتركون المدارس الرّسمية ومهنة التعليم. «النقص في المواد الأدبية الأجنبية أصبح واضحاً في الثانويات»، يقول مدير ثانوية في الجنوب، بعدما هاجر من ثانويته وحدها 3 أساتذة. وظهر بوضوح النقص في أساتذة تعليم المواد الأدبيّة في عمليات تصحيح الامتحانات الرّسمية، إذ تتأخر النتائج في الصدور بسبب النقص في المصححين من الأساتذة.
من جهة أولياء أمور التلامذة، «الترقّب سيّد الموقف، ولا إقبال على المدرسة الرّسمية، رغم أنّ الدولرة في المدارس الخاصة عادت إلى ما قبل 2019»، ما يمكن أن يعطي مؤشّراً لـ«هجرة معاكسة» نحو المدرسة الرّسمية. من جهة أخرى، «لا يتعاطف الأهالي مع تحرّكات الأساتذة، فإضراب العام الدراسي الماضي قزّم العام الدراسي في المدارس الرسميّة الى 80 يوماً تعليمياً فقط، فيما علّمت المدارس الخاصة أكثر 120 يوماً».
إلا أنّ حركة الهجرة المعاكسة نحو المدرسة الرّسمية مشروطة بطمأنة الروابط للأهالي بـ«أنّ العام الدراسي سيمرّ من دون إضرابات»، عندها فقط ستتضاعف الأعداد في المدارس الرّسمية. وهو ما تؤكّده مصادر الرّوابط، «لن نعيد خطأ العام الماضي، ونعطّل التسجيل، وسنتوجّه لعقد مؤتمر تربوي مع وزارة التربية في الأيّام المقبلة للوقوف على حال العام الدراسي المقبل».
في المقابل، يشير مدير ثانوية الى أنه «لا تسجيل حتى الآن في عدد كبير من المدارس الرّسمية، لن نأخذ أحداً على مسؤوليتنا هذه السّنة لأن الأساتذة لن يرضوا براتب لا يزيد على 200 دولار شهرياً، هي قيمة الرّاتب بعد مضاعفته 7 مرّات»، ما قد يعني العودة إلى التحرّكات المطلبية، إذ يشبّه الأساتذة العمل في التعليم بـ«السّخرة، وكأنّ المطلوب منّا الوصول إلى المدارس فقط، إذ لم يعد العمل يؤمّن الطعام حتى». ويرون في تصريحات وزير التربية بـ«أن لا عام دراسياً قبل تأمين الحوافز للأساتذة»، محاولةً لـ«الالتفاف على أيّ تحرّك لأن البعض لم يحصل على حوافز العام الماضي حتى الآن».
من جهة أخرى، يستبشر عدد من المديرين الذين تواصلت معهم «الأخبار» من خطوة «رفع بدلات التسجيل إلى 6 ملايين ليرة»، ويرون أنّها «ستحقق الحدّ الأدنى من الموازنة التشغيليّة، ولكن تبقى الإشكالية في القدرة على سحبها من المصارف»، ولحلّ هذه المشكلة، «لن يتوجّهوا هذا العام الى وضع أموال التسجيل فيها، بل سيتحمّلون مخاطرة الإبقاء عليها كاش في المدارس، ليتمكنوا من استخدامها عند الضرورة».