كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
تسود المناطق الحدودية جنوباً حال من التوتر المشوب بالقلق مردّه إلى الانتهاكات والتهديدات الإسرائيلية المستمرة بشنّ حرب على لبنان، وإن كان مثل هذا القرار لا يلقى حتى الساعة إجماعاً في الداخل الإسرائيلي، لكن الإشتباكات في المخيم الفلسطيني في عين الحلوة، التي بدأت في توقيت ملتبس كما أهدافها، تعزّز المخاوف من تمدّدها ومن أيّ خطوة ناقصة يدفع لبنان ثمنها. ربّ قائلٍ إنّ اشتباكات عين الحلوة ستفتح ملف السلاح الفلسطيني المتفلت للحدّ من الحوادث المتكرّرة التي سبق وشهدتها الحدود بقيام جهات فلسطينية بإطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل.
يستدعي الواقع الراهن استنفاراً على الحدود الجنوبية يشمل وحدات «اليونيفيل» في وقت يتحضّر لبنان لمواكبة قرار التمديد لقواتها سنة إضافية ويحاول إضفاء تعديل على قرارالتمديد الذي أقرّ العام الماضي لما تضمّنه من التباسات كانت سبباً في التصادم بينها وبين الأهالي.
فمن المنتظر أن يمدّد مجلس الأمن الدولي مهمة قوّة الأمم المتّحدة الموقّتة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) سنة إضافية، واستمرار دعم الجيش اللبناني لوجستياً لمدة سيطلب لبنان أن تمدّد سنة بدل ستة أشهر.
واذا كان التمديد المرة الماضية انتهى بإضافة فقرة إلى البند 16، تتحدث عن عدم حاجة «اليونيفيل» إلى إذن مسبق لأداء مهماتها، ولا التنسيق في شأنه مع الجيش اللبناني، فإنّ ما سيسعى اليه لبنان هذه المرة هو الإلتفاف على هذه الفقرة بإضافة تعديل يسحب فتيل التوتر بين جنود «اليونيفيل» والأهالي في مناطق وجودها. سيسعى لبنان إلى توضيح موقفه من الإنتهاكات الإسرائيلية التي شهدتها المناطق الحدودية في الجنوب حديثاً، خصوصاً موضوع الخيم التي أقامها «حزب الله» في أرض لبنانية محتلة واحتلال اسرائيل للجزء اللبناني من بلدة الغجر.
وفي الثاني والعشرين من الجاري يغادر وفد لبنان إلى نيويورك للمشاركة في الجلسة المقرّرة للتصويت على قرار التمديد لقوات «اليونيفيل». يستبقها وزير الخارجية عبد الله بوحبيب بإجتماعات مع سفراء الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة في محاولة لتعديل قرار التمديد بصيغته التي سبق وأقرت العام الماضي، وتضمّنت تعديلاً على النص الأساسي الذي كان معتمداً ويمنح قوات «اليونيفيل» حرية التحرك في المناطق الجنوبية من دون مواكبة من الجيش اللبناني.
وسيوضح لبنان موقفه في شأن التعديات الإسرائيلية المتكررة على لبنان ليقول إنّ اسرائيل وبسبب مشاكلها الداخلية باتت في الحضيض وهي تسعى إلى صرف الأنظار عن مشكلاتها بنقلها إلى الخارج، وإنّ الخروق الإسرائيلية ضد لبنان تعدّ بعشرات الآلاف سنوياً، وهو ما سبق ولحظه تقرير الأمم المتحدة، وإنّ الانتهاكات الإسرائيلية والتعديات المستمرة على الجانب اللبناني من الحدود من شأنها أن تضعف موقف المسؤولين اللبنانيين تجاه «حزب الله». كما سيوضح أنّ الأراضي التي تتحدث عنها اسرائيل شمال الغجر غير مختلف على لبنانيتها، وهي تقع في خراج بلدة الماري الجنوبية، وإنّ إحدى الخيم اقيمت على أرض لبنانية والثانية على الخط الأزرق المختلف عليه في الأساس.
وفي ما يتعلق بالبند الذي أضيف العام الماضي ونتيجة البحث عن مخرج يرضي كل الأطراف، اعتبرت الخارجية اللبنانية أنّ هناك متغيّرين في شأن القرار ولا توجد امكانية لتبديلهما دفعة واحدة. واذا كان القرار السابق نصّ على «أنّ قوات «اليونيفيل» لا تحتاج إلى إذن مسبق للاضطلاع بالمهمات الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل»، فإن لبنان لا يمانع في تحركاتها لكن بالتنسيق المسبق مع الجيش اللبناني، وكل ما يطلبه عدم حصول صدامات بين الأهالي وجنود الطوارئ، خاصة في المناطق حيث تسود الحساسية بين الأهالي و»اليونيفيل»، ولذا يمكن للجيش ان يكون إلى جانب «اليونيفيل» حيث تكون، وعلى «اليونيفيل» أن تبلّغ الجيش مسبقاً بنقاط تحركها كي يمنع الإحتكاك بينها وبين الأهالي ويتجنب الإشتباك في ما بينهم، خاصة أنّ الأمثلة على ذلك عديدة وخطرة.
استبدال سطرين
وحسب الصيغة التي يجرى درسها فإنّ التعديل يمكن أن يكون بحذف سطرين من النص القديم واستبدالهما بسطرين آخرين يمنح مضمونهما «اليونيفيل» الحق في أن تذهب أينما تريد بالتنسيق مع الجيش اللبناني في نطاق المناطق المسموح لها بالتجول في نطاقها.
أمّا في النص الثاني من القرار والمتعلق بالمساعدات التي تمنحها الأمم المتحدة للجيش اللبناني من ضمن ميزانية قوات الطوارئ، والتي كانت عبارة عن مساعدات غذائية وطبية أقرّت العام الماضي على أساس ستة أشهر، فمن المقرر أن يطلب لبنان هذا العام استبدال هذا النوع من المساعدات بمنح الجيش كميات من الفيول تؤمّن لعناصره تسيير دورياته برفقة «اليونيفيل»، على امتداد عام بأكمله.
ويبدو انّ الإتجاه العام يميل إلى تلبية رغبة لبنان بدليل ما عبر عنه السفراء المعتمدون للدول الأعضاء في لبنان، وسبق أن اجتمع بهم بو حبيب، حيث وعدت السفيرة الأميركية دورثي شيا بتوجيه مراسلة إلى ادارتها في هذا الشأن، بينما أبدى سفير الصين مرونة لافتة بعدما كانت بلاده رفضت عرضاً كهذا العام الماضي، في حين لم يمانع سفراء الدول الأخرى.
لكن مرونة سفراء الدول الأعضاء لا تضمن وحدها نجاح محاولة لبنان تعديل الفقرة المشار اليها، وإن كانت حجته أنّ العمل بها سبق وجمدته «اليونيفيل» بموجب مذكرة داخلية، واستمر تعاونها مع الجيش قبيل أي تحرك لقواتها. وستكون سابقة تعديل قرار سبق وأقرّ بإجماع الدول الأعضاء، لكن التركيز سيكون على حجة لبنان في سحب فتيل التوتر بين الأهالي و»اليونيفيل» وضمان عمل الطوارئ في مناطق وجودها خاصة.
محاولة يسعى اليها لبنان وعينه على تبدل الظروف التي جعلت روسيا والصين تصوتان لصالح التعديل في المرة الماضية، فهل هي جاهزة للتعديل هذه المرة؟ أم سيمر التمديد بصيغته التي أقرّ على أساسها العام الماضي، ويكون المخرج بتجديد العمل بالمذكرة الداخلية لـ» اليونيفيل» فيقرّ التمديد ويبقى الوضع على ما هو عليه؟