Site icon IMLebanon

من المسؤول عن “خطف” مخيم عين الحلوة وهل حان الوقت لتحريره؟

 كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:

 

يخطئ من يعتقد أن الحرب المشتعلة التي تحاصر مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين تدور بين حركة «فتح» كبرى الفصائل الفلسطينية في لبنان، ومجموعة تطلق على نفسها اسم «الشباب المسلم»، وأن عناصر تنتمي إليها كانت وراء اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا العميد أبو أشرف العرموشي في كمين نصبوه له، وأودى بحياة أربعة من مرافقيه؛ لأن اغتياله يفوق قدرتهم على التخطيط للإيقاع به، وأن هناك جهة ما زالت مجهولة الهوية هي من تولت الإيقاع به بعد أن سُدّت أمام موكبه الطرق التي يُفترض أن يمر من خلالها، وأجبرته على سلوك الطريق حيث نصبت له الكمين المسلح.

 

فاغتيال العرموشي الذي يُعتبر من أبرز القياديين الميدانيين في «فتح»، كما تقول مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، جاء عن سابق تصور وتصميم، وأن إدراج اسمه على لائحة المستهدفين لم يكن بقرار مما يسمّى بـ«الشباب المسلم»، وإنما بتخطيط من جهات لديها الخبرة الكافية في الإعداد لتنفيذ جرائم من العيار الثقيل، مستفيدة من الأجواء المشحونة التي تسبّب بها مقتل عنصر من «الشباب المسلم» على يد عنصر فتحاوي كان يُفترض بأن يتولى العرموشي تسليمه للسلطات اللبنانية، لكن هناك من أوقعه في كمين مسلح أودى بحياته.

 

وتلفت المصادر الفلسطينية إلى أن مخيم عين الحلوة بدأ يشكل حالة شاذة بخلاف المخيمات الفلسطينية الأخرى؛ لافتقاده إلى المرجعية القادرة على التدخّل في الوقت المناسب لقطع الطريق على أي إشكال يمكن أن يؤدي إلى توسيع رقعة الاشتباكات من جهة، وإلى ترهل الجسم التنظيمي والعسكري لـ«فتح» الذي كان وراء تزايد نمو المجموعات المتشددة، من جهة أخرى.

 

وتؤكد هذه المصادر أن مخيم عين الحلوة سرعان ما تحوّل إلى خاصرة رخوة؛ لأنه أصبح رهينة التناقضات في الإقليم الذي تستخدمه لتصفية الحسابات وتوجيه الرسائل في أكثر من اتجاه، إضافة إلى موقعه في جوار صيدا وعلى تخوم الجنوب وما يسبّبه الوضع الأمني المتفلت في ظل انتشار السلاح بداخله؛ من قطع للطرقات، وتهديد للاستقرار في عاصمة الجنوب.

 

وترى المصادر نفسها أنه لا قدرة لـ«الشباب المسلم» على الدخول في حرب مفتوحة مع «فتح» لو لم يشكل لافتة سياسية تتموضع تحت سقفها مجموعات من مشارب عدة تتشكل منها بقايا «الدواعش» و«جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة» و«جند الشام» بزعامة بلال بدر و«فتح الإسلام»، وآخرين من مؤيدي الشيخ أحمد الأسير المحكوم عليه بالسجن في جريمة الاعتداء على الجيش اللبناني في عبرا.

 

وتقول إن هناك عشرات السوريين الذين لجأوا إلى عين الحلوة هرباً من الحرب التي دارت في سوريا، وجلّهم من المطلوبين، إضافة إلى أعداد اللبنانيين الذين لاذوا بالفرار إلى المخيم هرباً من ملاحقتهم من قبل القضاء اللبناني لارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون، وآخرين من الشمال لجأوا إلى المخيم هرباً من ملاحقتهم بتهم الإخلال بالأمن والتحريض على الفتنة ومقاومة القوى الأمنية اللبنانية لدى تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس.

 

وتكشف عن أن مطلوبين آخرين تحصّنوا بالمخيم منذ سنوات، بعدما ثبت ضلوعهم في تسهيل نقلهم لأعداد من اللبنانيين والفلسطينيين للالتحاق بـ«داعش» في سوريا، مؤكدة أن عين الحلوة تحول إلى مجموعة من البؤر الأمنية والسياسية لم يعد من الجائز التقليل من خطورتها على المقيمين في المخيم ومدن وبلدات الجوار، وأولها صيدا.

 

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن المجموعات المتشددة غالباً ما تنتشر في الأحياء الخاضعة لسيطرة ونفوذ «عصبة الأنصار» طلباً للحماية، مع أن مؤسسها الملقب بـ«أبو محجن» لا يزال متوارياً عن الأنظار؛ هرباً من ملاحقته في جريمة اغتيال القضاة الأربعة في صيدا، وكان خلفه شقيقه أبو طارق السعدي ثم حلّ مكانه فور وفاته شخص من آل شريدي.

 

وتسأل المصادر اللبنانية عن الأسباب الكامنة وراء عدم مبادرة «عصبة الأنصار» إلى رفع الغطاء عن أبرز الرموز في المجموعات المتشدّدة التي تقف وراء تهديد الأمن والاستقرار في المخيم. وهل هي مضطرة لتوفير الحماية لهم لاستخدامهم بوصفه واحداً من خطوطها الدفاعية في حال أنها استُهدفت من قبل طرف فلسطيني.

 

وتؤكد أن مخيم عين الحلوة يصنّف حالياً على لائحة «المخطوفين»، وتحريره من المجموعات المتشددة لن يتم بإصدار البيانات وإطلاق المواقف التي يغلب عليها طابع التنديد والاستنكار، ولا بتسليم المطلوبين بإصرار من لجان التنسيق اللبنانية الفلسطينية، وإنما بات في حاجة إلى اتخاذ تدابير جذرية لأن تدوير الزوايا سيبقي على الحرب مشتعلة.

 

ويبقى السؤال عن دور الفصائل الفلسطينية المنتمية إلى «منظمة التحرير» أو قوى «التحالف الفلسطيني» المدعومة من سوريا وإيران في لجم المجموعات المتشددة، ومنعها من العبث بأمن المخيم ومدن وبلدات الجوار. وهل هناك من يعيق اندفاعها لتحرير المخيم من «الخطف» ومنع تدحرجه نحو المجهول؟ أم أن لهذه الفصائل أو لمعظمها حسابات إقليمية تحول دون تجاوزها للخطوط الحمر في إنقاذه من قبضة المتطرفين؟

 

وكل ذلك لا يعفي الدولة اللبنانية من مسؤولياتها، ليس في إطباق السيطرة الأمنية على المخيم، وإنما في التفاتها إلى مقررات مؤتمر الحوار الذي انعقد بدعوة من رئيس المجلس النيابي في مبنى البرلمان في مارس (آذار) 2006، وتقرر فيه سحب السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات وتنظيمه بداخلها، وهل من بديل آخر لإعادة عين الحلوة إلى كنف الدولة بذريعة أن الظروف الخارجية لا تسمح بفتح ملف السلاح الفلسطيني؟ وكيف سيكون الوضع مع تجدد الحرب من حين لآخر في المخيم؟