كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
توحي المؤشرات المتعلقة بالملف الرئاسي أن لا مستجدات في ملف الإنتخابات الرئاسية وأن العلم اللبناني عند مدخل القصر الجمهوري سيبقى منكساً في انتظار شهر أيلول. لماذا التركيز والحديث المستجد عن هذا الموعد في الأوساط الديبلوماسية والداخلية؟
على ما يبدو أن شهر أيلول سيحمل مستجدات رئاسية، تسبقها جولة حوارات ثنائية تشارك فيها قوى سيادية ومعارضة بعدما كانت غير مرجحة حتى جاءت زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الثانية لتكسر من حدية المواقف المعارضة، لكن حتما من دون التنازل عن شروط مواصفات الرئيس السيادي. علماً أن سلة الإقتراحات التي قدمها لودريان خلال جولاته على القوى المعارضة ورؤساء الأحزاب تأتي من خلفية مقررات اللجنة الخماسية وبيانها الختامي في الدوحة وليس من خلفية الإليزيه حصرا كما في الزيارة الأولى.
المتخصص في الجيوبوليتيك والمحلل السياسي جورج أبو صعب يعتبر أن المعطيات المتوافرة حول مسألة الحوار تنطلق من زيارة لودريان الأخيرة حيث شملت زياراته لقاءات مع أفرقاء المعارضة وقوى سيادية. ويكشف لـ”المركزية” أن “آراء هذه القوى انقسمت بين مؤيد للحوار وأخرى معارضة له إنطلاقا من المثل الشائع”مين جرب مجرّب كان عقلو مخرّب”.
ما يميز منطلقات الحوار هذه المرة أنه لن يتضمن جملة ملفات ومواضيع عامة، وحتى في موضوع الرئاسة لن يتطرق إلى البحث في مسألة تسمية مرشح، إنما سيكون حواراً ثنائيا لتحديد مواصفات الرئيس العتيد ووضع برنامج العمل المقرر. وهذا الشرط بحسب أبو صعب يستجيب لهواجس الثنائي الشيعي الذي يصرّ على أن لا يكون الرئيس معاديا للمقاومة ولسلاح حزب الله والأهم أن لا يطعن الحزب في الظهر! ويستطرد مؤكدا أن طروحات لودريان تعكس مواقف اللجنة الخماسية وليس فرنسا وقد سعى في زيارته الثانية إلى تدوير الزوايا لمراضاة الحزب من خلال محاكاة هواجسه.
جيداً يدرك الداخل كما الخارج أن حلّ مسألة سلاح حزب الله ليس بيد اللبنانيين ولا اللجنة الخماسية “إنما هو أبعد وأكبر حتى من مجلس أمن دولي، كونه مرتبط عضوياً وبشكل جدي وكامل بالأجندة الإيرانية في المنطقة. وهذا ما دفع الفرنسيين إلى مجاملة الإيرانيين للحصول منهم على تعهد بالتنازل عن السلاح. لكن لا شيء تحقق من ذلك إنطلاقا من المعطى القائل بأن مسألة حل سلاح حزب الله أكبر من حدود الداخل وحتى الخارج وهو يرتبط بجملة تطورات وتحولات تحصل في المنطقة ولا يتنبه لها حتى أفرقاء المعارضة،او ربما يدركون لكن لا يعترفون!. ومن أبرز التطورات الحاصلة في المنطقة، التشنج الإيراني نتيجة العثرات الحاصلة في الملف النووي والإتفاق السعودي-الإيراني والإنفتاح الخليجي على سوريا والوضع اليمني المتأرجح عدا عن أن إيران لا تزال محاصرة من خلال سياسة فرض العقوبات عليها. وهذا يعني أنها ستتمسك بكل ورقة من أوراقها ولن تفاوض على أي منها، وأي تنازل سيكون له ثمن في المقابل وقد يكون باهظا”.
هذا الواقع انعكس بطبيعة الحال على الملف اللبناني خصوصا مع انقسام الآراء داخل اللجنة الخماسية إلى إثنين: الأول ويقول بضرورة الأخذ في الإعتبار مصالح إيران ويمثل هذا الفريق كل من فرنسا ومصر نوعا ما، في حين يصر المتمسكون بالرأي الثاني أي السعودية والولايات المتحدة وقطر على التمسك بالدستور اللبناني وانتخاب رئيس سيادي . مع الإشارة إلى أن الخطوة التي قامت بها قطر لجهة تجروئها على تسمية قائد الجيش جوزف عون وضعتها على خط التمايز.
إنطلاقا مما تقدم من مشهدية التشنج الإيراني وتداعياته على مستوى المعارك في مخيم عين الحلوة بعدما لمست إيران أن الملف الفلسطيني بدأ يفلت من يدها ويدخل في بازارات التسويات الإقليمية، يمكن فهم تحديد شهر أيلول كموعد لانطلاق الحوار لكن حتما ليس لوصول رئيس .ويشير أبو صعب إلى أن هذا الموعد قد يحمل تطورا إقليميا ما، ينعكس بدوره على الداخل اللبناني. لكن في ظل المعطى الحالي وفي ظل هذا الجو الإقليمي التصعيدي غير المريح، الأكيد أن الكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية في أيلول غير دقيق لأن هذا الموعد يعني بداية العمل الجدي وليس نهاية الطريق إلا إذا حصل تطور دراماتيكي يؤدي إلى خلط الأوراق من جديد” .
والسؤال الذي يطرح بعد استعراض كل هذه المشهدية الإقليمية أي رئيس منتظر سيكون للبنان؟ “الثابت أنه لن يكون مرشح إيران، وبالتوازي لن يكون سيادياً، إنما رئيس إصلاحي إلى حد ما ومقبول من حزب الله . وبين المنزلتين من المرجح أن يتم التوافق على إسم قائد الجيش ” يختم أبو صعب.