تقرير ماريلين عتيّق:
ضحايا، مصابون، دمار، وجع، وغضب. آثار خلّفها انفجار عنيف هز بيروت في الرابع من آب سنة 2020. آثار ما زالت محفورة في شوارع مدينة كئيبة خسرت الكثير، ورغم ذلك تحاول الصمود فوق أشلاء أبنائها.
آثار محفورة ليس فقط في أذهان من عاش تلك اللحظة المرعبة، بل في ذاكرة كل لبناني أصيل، شعر عند الساعة السادسة والسبع دقائق من ذلك النهار المشؤوم، أنه خسر جزءًا من قلبه عندما دُمرت مدينة الجمال والحياة، على أيدي مجرمين لا يخافون الله، “يقتلون القتيل ويمشون في جنازته”، ويستغلون وجع أهالي الضحايا الذي لم ينته أقلّه حتى تبيان الحقيقة وإرساء العدالة، فيتقاذفون التهم ويلومون بعضهم على جريمة العصر، متناسين أنهم “كانوا يعلمون”. يعلمون بوجود قنابل موقوتة في مرفأ العاصمة، ولم يحرّك لهم ساكنًا!
يوم 4 آب سيبقى محطة سنوية للتذكير بهول هذه الكارثة، وللوقوف إلى جانب أمهات يبحثن عن الحقيقة التي حتمًا لن تعيد أبناءهن، ولكن ستجيب عن السؤال المنتظر… من خطط ونجح بقتل أبنائنا وعاصمتنا في 4 آب؟
إذًا التحركات مستمرة، والأهالي لن يستسلموا، فهم ماضون في عملية البحث عن بصيص أمل يبرّد قلوبهم، فماذا يخبئ 4 آب هذه السنة؟
في حديث لموقع IMLebanon، أفاد شقيق الشهيد في فوج إطفاء بيروت جو نون، وليم نون، بأن “تحركات 4 آب ستبدأ عند الساعة الرابعة بعد الظهر، والتجمع سيكون في مركز فوج الإطفاء، وسننطلق نحو المرفأ الساعة 4:45 عصرًا لنصل حوالى الساعة 5″، مشيرًا إلى أن “مدة التحرك هي 3 ساعات فقط”.
وشدد على “أننا لن ندخل في الشق الإنساني كثيرًا، فالاهتمام سينصب على مطالب الأهالي، وهي: تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، تسوية وضع القضاء اللبناني للوصول إلى قرار ظني سليم، إقرار قوانين تخصّ قضيتنا بشكل مباشر، رفع الحصانات، واستقلالية القضاء”.
إلى ذلك، كشف لموقعنا، عن أنه “يتم التحضير لمشهد رمزي يحاكي الانفجار مع استخدام دخان أحمر”.
وأوضح نون أن “يوم الجمعة سيكون بمثابة امتحان لنا، والمسار الذي نتّبعه قبل هذا التاريخ سيبقى نفسه”، مؤكدا أن “ما يهمنا هو انضمام اللبنانيين إلينا لدعم القضية، ووقوفهم إلى جانبنا يساعدنا في عملنا على مدار السنة ويفيد التحقيق”.
ولفت إلى “أننا نسلك المسار القانوني في التحركات، لكنّ التصعيد وارد عند الحاجة، مثلما حصل في قصر العدل منذ فترة، عندما لجأنا إلى التكسير والحرق، ثم أوقفنا الشغب لحظة تحقيق المطالب”، مضيفًا: “التصعيد يساعدنا كثيرًا ويعطينا نتيجة أسرع”.
أما عن الانقسام الحاصل بين أهالي الضحايا، فأكد نون أنه تواصل مع ابراهيم حطيط شقيق الشهيد ثروت حطيط، “وليس هناك إشكال بين العائلات فالقضية هي واحدة والمسيرة يوم الجمعة ستكون موحدة، لكن حطيط لا يؤمن بمطلب القضاء الدولي وبعمل القاضي طارق البيطار، بغض النظر إذا كانت مواقفه نتيجة ضغط سياسي يمارس عليه أم لا، وهو حرّ ونحن لا نفرض رأينا على أحد”.
كما أعلن “أننا وضعنا الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية في صورة التحركات، وتواصلت مع مخابرات الجيش في بيروت والمرفأ، وطلبنا منهم إغلاق الطريق من Forum De Beirut حتى بيت الكتائب المركزي، تفاديًا لأي حدث قد يُخرج التحركات عن مسارها الصحيح”.
ولا يعاتب نون اللبنانيين على عدم النزول إلى الشارع، ورأى أن “لكل إنسان ظروفه ومصائبه”.
وفي السياق، تمنى على اللبنانيين “المشاركة بكثافة نهار الجمعة لأن الموضوع يخصّ الجميع وليس فقط أهالي الضحايا، ونحن لا نطلب منكم أكثر من ثلاث ساعات من وقتكم لقضية بهذا الحجم”.
وفي ظل كل الوجع الذي يعيشه بعد فقدان شقيقه وعدم قدرته على الوصول إلى الحقيقة حتى الساعة، اعتبر نون أن “هناك أمرًا إيجابيًّا واحدًا، وهو أنه بين الذكرى الثانية والثالثة، استطعنا أن نفتح محكمة في بريطانيا وحصلنا على موافقة من الاتحاد الأوروبي لإنشاء لجنة تقصي حقائق دولية، ما يعني أن هناك بعض التغييرات التي طرأت على موقف المجتمع الدولي لصالح التحقيق”.
وفي ختام حديثه، ذكّر نون بالقداس الذي سيقام يوم الخميس 3 آب الساعة السادسة مساء في كاتدرائية مار جرجس المارونية وسط بيروت، والذي سيترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
في بلد “كل مين إيدو إلو” حيث الفلتان الأمني والفساد السياسي والقضائي، يصعب التصديق أن الحقيقة ستظهر قريبًا، فمليشيا السلاح تحكم قبضتها على مفاصل الدولة، تفجّر وتقتل من دون حسيب ولا رقيب، وكأنّ المواطنين ليسوا سوى أرقام. شهداء 4 آب ليسوا مجرد ذكرى، بل حقيقة تذكرنا في كل ثانية ألا قيمة للإنسان في هذا الوطن.
حتى اللحظة، أمل الأهالي بالوصول إلى المحاسبة ما زال موجودًا، ولكن هل ينفد صبرهم قريبًا؟