كتب جوني منيّر في “الجمهورية”:
بحثت الاطراف اللبنانية وكذلك الدولية كثيراً في زوايا وخبايا معارك مخيم عين الحلوة لالتقاط إشارة واضحة وثابتة حول الخلفيات السياسية الحقيقية لاندلاع هذه المواجهات، التي تفتقد الى عنوان سياسي واضح، لكنها لم تجد أجوبة شافية تروي غليلها.
صحيح انّ المرحلة الاخيرة شهدت تطورات كبيرة تطاول الواقع الفلسطيني، لكنّ المعارك التي حصلت بقيت غير مفهومة ومن دون اهداف واضحة. لكن ثمة اسئلة لا بد من طرحها رغم انها لا تحمل اجوبة واضحة:
1 ـ لماذا اغتيال مسؤول عسكري كبير في حركة «فتح» هو قائد الامن الوطني اللواء ابو اشرف العرموشي على يد مُتشددين اسلاميين، على رغم من إدراك الجميع أن اغتيالاً بهذا الحجم سيؤدي حكماً الى إشعال المخيم. أضِف الى ذلك انّ توجيه اصابع الاتهام الى بلال بدر لم يلقَ نفياً من هذا الاخير؟
2 ـ هل صحيح انّ التطورات الاخيرة التي حصلت في الضفة الغربية فتحت الباب امام تعزيز السيطرة على المخيم الفلسطيني الأهم خارج الاراضي الفلسطينية؟ ذلك ان خريطة النفوذ داخل المخيم هي لمصلحة حركة «فتح»، لكن المتطرفين الاسلاميين الذين يشكلون بقايا التنظيمات الاسلامية، توحّدوا ميدانياً، ليشكلوا ما يُقارب الـ 200 مقاتل. وقيل ان هؤلاء يدركون أن حجم مقاتلي حركة «فتح» اكبر بكثير، لكنهم يراهنون على تفكك اوصال الحركة والنزاعات الداخلية التي تنخرها في مقابل تَوحّدهم وفق العقيدة «الجهادية» ما يعطيهم افضلية قتالية. لكن ما حصل على الارض لم يتطابق مع هذه الحسابات.
3 ـ من أين أتت هذه المجموعات المتشددة بكل هذه الذخائر والاسلحة، لا بل من اين تؤمن مصاريفها المالية بعد ان يكون من المفترض قد توقفت كل مصادر التمويل ومنذ زمن بعيد، علماً ان امتلاك «فتح» لمخازن اسلحة وذخائر مسألة مفهومة؟
4 ـ موقف حركة «حماس» الذي يميل الى الحياد ظاهرياً ورسمياً ولكنه يتعاطف ضمناً مع الاسلاميين، ومن الزاوية الحسابية اذ انّ أي ضُمور لحركة «فتح» من المخيم ستستفيد منه «حماس» حكماً وهي التي تخوض نزاعاً مَكبوتاً مع «فتح» في الضفة الغربية.
5 ـ وهو السؤال الاهم، حول الاهداف الحقيقية لاستهداف المجموعات الاسلامية لمواقع الجيش اللبناني اكثر من مرة، وما اذا كان المطلوب توريط الجيش في معارك المخيمات وسط استحقاقات عدة ينتظرها الجنوب. وهذا مع العلم انّ الجيش حَدّد خطاً احمر يتعلق بعدم تَمدّد المعارك خارج المخيم، وبالتالي حماية صيدا من اي ارتدادات قد يسعى اليها البعض.
6 ـ لم يظهر حتى الآن اي رابط فعلي وحقيقي بين زيارة رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج للبنان واندلاع المعارك. الرابط الوحيد هو زمني لكن من دون محتوى فعلي.
7 ـ هل لما يحصل علاقة بخطة كان قد بوشِر بتنفيذها في وقت سابق بالتنسيق مع المرجعيات الامنية اللبنانية وعلى رأسها الجيش اللبناني، والتي قضت بتجميع السلاح الفلسطيني في المخيمات ووضعه في مخازن محددة وفق صيغة تم التفاهم عليها وجرى تطبيقها في مخيمات الشمال والبقاع من دون إثارة او استثمار اعلامي؟
كل هذه الاسئلة وغيرها لم تجد اجوبة واضحة لها، ما يرفع من مستوى الغموض حول ما اذا كان هنالك من خلفيات كبرى.
أضف الى ذلك انّ الخيوط متشابكة في المنطقة ما يدفع للتروي كثيرا قبل الذهاب الى ربط ما يحصل بالحركة الاقليمية، وايضا بالتطورات والحركة على الساحة اللبنانية. فخلال الاسابيع الماضية حُكي كثيرا عن دَفع اميركي للسعودية للذهاب في اتجاه تطبيع العلاقات بينهما وفق «صفقة» حمل عناوينها مستشار الامن القومي الاميركي الى السعودية. لكن ومع شيء من التدقيق يتبيّن ان المسافة ما تزال بعيدة خصوصا من الجانب السعودي للذهاب في هذه الوجهة. أساساً، إنّ المشكلات ما تزال تحوط بالعلاقة بين ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وادارة جو بايدن. السعودية تريد كأولوية ضمانات امنية اميركية ثابتة وكاملة بأمن الخليج، اضافة الى تزويدها النظام الدفاعي الجوي الاميركي الاكثر تطوراً والاحداث وهو «تاد».
وفي المقابل، إن الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يمر بمرحلة داخلية صعبة، ما يزال متوجساً من نيات السعودية بالسعي لدعم غريمه الجمهوري دونالد ترامب للفوز بالاستحقاق الرئاسي المقبل.
وخلال الاسابيع الماضية وفي ظل المراوحة في الشق التنفيذي لاتفاق المصالحة السعودي ـ الايراني، دفعت واشنطن بتعزيزات عسكرية جوية نوعية الى الخليج، وذلك رداً على التحرشات الايرانية بناقلات النفط والسعي لمصادرتها.
وعلى رغم من التسريبات الاميركية بأن هذه التعزيزات مختلفة عمّا سبق، بمعنى انها ستبقى لفترة طويلة بخلاف ما كان يحصل سابقاً من خلال اعادة سحبها بعد فترة وجيزة، فإن السعودية تريد مظلة عسكرية اميركية تغطّي بنحوٍ دائم كل الخليج وليس فقط الممرات النفطية البحرية. ومنذ حصول التعزيزات الجوية الاميركية قبل نحو شهر لم تسجل حالات تحرّش ايرانية جديدة. ذلك انه حتى الآن ما تزال المشكلات تعكس نيات غير صافية في ملف المصالحة السعودية ـ الايرانية. اليمن هي ساحة الاختبار الاهم بالنسبة للسعودية، وحيث لم تظهر اشارات تقدم، بل ان السعودية تبدو متوجّسة من لعبة استنفاد الوقت واستراتيجية «التعب» التي تتقنها ايران لإرغام السعودية على القبول بشروطها.
وهذا ما انعكس ايضا على الساحة السورية حيث تظهر خيوط اللعبة بنحوٍ اكثر وضوحاً. فالزخم العربي في اتجاه سوريا، والذي جاءت ذروته خلال القمة العربية الاخيرة في السعودية تراجعت وتيرته بنحو لافت. والسعودية لم تفتح بعد سفارتها في دمشق، وهي ايضا لم تفتح صناديقها وهو ما تطمح اليه دمشق، ما يعني ان الامور لا تسير في الشكل الصحيح.
وفي وقت كان الرئيس الايراني قد زار دمشق ووقع اتفاقيات اقتصادية ذات طابع استراتيجي، زار وزير الخارجية السورية فيصل المقداد طهران مصطحباً معه وفداً اقتصادياً، ما حمل رسائل عدة.
السعودية التي تنتهج سياسة الخطوة مقابل خطوة في ظل ولي العهد الامير محمد بن سلمان، قد تكون وجدت انّ دمشق تريد الحصول على المساعدات المالية ولكن من دون تقديم تنازلات سياسية فعلية. والمقصود هنا إبعاد سوريا بعض الشيء عن ايران واجتذابها الى الوسط.
وعلى العكس من ذلك تم تحصين علاقات سوريا بايران من خلال سلسلة اتفاقات وتفاهمات.
وفي وقت بقيت السعودية باردة تجاه دمشق، كانت واشنطن تعمل على تعزيز حضورها العسكري في شمال سوريا لإعادة دَوزنة الحضور الايراني المتحالف مع روسيا. من هنا تُفهم التحرشات الجوية الروسية مع المسيرات الاميركية هي لعبة «دوزنة» حجم ايران في ساحات النفوذ العربية من اليمن الى سوريا وفلسطين وصولاً الى لبنان. وحتى الآن لم تظهر ايران الليونة المطلوبة.
من هنا كان التركيز والسعي لقراءة ما اذا كانت هنالك من خلفيات اقليمية في احداث مخيم عين الحلوة، خصوصا ان الساحة اللبنانية تشهد نزاعاً قوياً حول الملف الرئاسي الذي سيؤثر في وضوح على كل المرحلة المقبلة، وتركيبة السلطة في لبنان وادارات الدولة، واستطراداً حول المعادلة السياسية التي سيذهب في اتجاهها لبنان وحجم النفوذ الايراني على مستوى الدولة، وكذلك على الشاطئ اللبناني. ولا شك في ان دخول حركة «حماس» على خط القتال في حال حصل سيعني كثيرا. كذلك مصادر تمويل وتسليح وتذخير القوى الاسلامية، والنجاح في تبديل المعادلة القائمة داخل المخيم. وكذلك ايضا رصد طريقة تفاعل الجسم العسكري لحركة «فتح» وسط كلام عن احجام بعض القوى داخلها عن المشاركة في القتال. وايضا رصد الاوضاع وانعكاس الاحداث على بقية المخيمات في لبنان، والتي تحظى حركة «فتح» فيها بالنفوذ الطاغي، وسط حديث عن انتقال بعض المقاتلين التابعين لـ»فتح» من مخيمات اخرى الى عين الحلوة للمشاركة في القتال.