كتب منير الربيع في “المدن”:
وحدهما، حزب الله والتيار الوطني الحرّ، لم يدخلا في عطلة شهر آب، التي منحها اللبنانيون لأنفسهم بانتظار عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت، لاستئناف البحث في الملف الرئاسي.
تتسارع وتيرة الاتصالات بين الحزب والتيار الوطني الحرّ على إيقاعات مختلفة. إيقاعها الأول محاولة العودة بين الطرفين إلى ما قبل تقاطع التيار مع خصومه على ترشيح جهاد أزعور. أما الإيقاع الثاني فهو خلق جو تحاوري جديد على جوانب متعددة من “الإصلاحات” والمطالب التي يطرحها جبران باسيل، في مقابل التنازل ست سنوات عن اسم الرئيس. أما إيقاعها الثالث، فهو فتح المجال أمام الوصول إلى اتفاق. وبحال تعذّر ذلك، فيكون قد زرع الشقاق مجدداً بين باسيل ومن تقاطع معه وتعاظمت الشكوك بين الطرفين، فيما على مقلب باسيل يكون كسب مزيداً من الوقت لقطع الطريق على احتمال وصول قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، في حال انتهت ولايته في قيادة الجيش.
اللامركزية والصندوق
من شأن حركة حزب الله والتيار الوطني الحرّ أن تربك كل القوى المعارضة لانتخاب سليمان فرنجية. لا سيما أن مواقف باسيل كان واضحة في الاستعداد للتضحية، في حال تم تحصيل مكاسب كبرى، من بينها اللامركزية الموسعة والصندوق المالي الائتماني. يمثل المطلبان رمزية كبرى بالنسبة إلى المسيحيين. ورفعهما من قبل باسيل يمكن أن يبرر تنازله لصالح سليمان فرنجية وإعادة تجديد العلاقة مع الحزب. بينما خصوم باسيل يعتبرون أن عودته للتفاوض مع الحزب هو بنتيجة عدم استجابة أطراف أخرى له في الداخل والخارج، وعدم تلقفه واحتضانه على وقع الاختلاف أو الافتراق عن حارة حريك. وبالتالي، وجد أمامه طريقاً وحيداً للعودة.
بالنسبة إلى الخصوم أيضاً، لا يخفى التخوف من أن يكون باسيل يطرح المطالب الكبرى من دون القدرة على تحصيلها. وذلك لتبرير التفاوض على مكتسبات أخرى في الدولة، وليكون له الحصة الأكبر في العهد الجديد، مع تعهد إعلامي وعلني بإقرار اللامركزية والصندوق الإئتماني.
على ضفة الثنائي الشيعي، هناك تجاوب مع باسيل في مسألة الصندوق ولكن وفق آليات محددة ومفصلة، سيقرها في النهاية المجلس النيابي، وستكون خاضعة لمراسيم تطبيقية لا تمكّن أي طرف من السيطرة على هذا الصندوق. أما بخصوص اللامركزية فهناك انفتاح على الجانب الإداري منها، وإن كان بشكل موسع، وسط رفض مطلق لمسألة اللامركزية المالية الموسعة.
انتخاب فرنجية
يتفاوض الحزب مع باسيل انطلاقاً من التمسك الكامل بترشيح سليمان فرنجية. وبالتالي، فإن التفاوض يحصل على ما يريده رئيس التيار الوطني الحرّ لانتخاب فرنجية. هناك تفاؤل لدى حزب الله بإمكانية الوصول إلى تفاهم، مع الإبقاء في الحساب على احتمال أن يكون باسيل مستمر في المناورة او في كسب الوقت. وهو ما سيسعى الحزب إلى تطويقه من خلال فرض سقف زمني، أو من خلال تلمّس جدية التفاوض من عدمها. في حال نجح الحزب بإقناع باسيل، فيمكن حينها تجيير 16 صوتاً لسليمان فرنجية، الذي سيصبح لديه 67 صوتاً، ما يؤهله للوصول إلى الرئاسة من الدورة الثانية، فيما تبقى مشكلة النصاب الدستوري الذي تحتاجه جلسات الإنتخاب وهو 86 صوتاً. إذ يراهن الثنائي الشيعي على موقف كتلة اللقاء الديمقراطي والنواب السنّة وعدد من نواب التغيير لمنع تعطيل النصاب والحضور داخل القاعة العامة.
كل ذلك يطرح سؤالاً أساسياً، إذا ما كان الحزب حينها مستعداً لخوض معركة انتخاب فرنجية وإيصاله من دون موافقة خارجية واضحة، وخصوصاً سعودية. هنا تتضارب وجهات النظر. إذ أن البعض يعتبر أن السعودية لم تضع فيتو علنياً ورسمياً على فرنجية، كما أنها لا تتدخل في تفاصيل الملف اللبناني. أي لن تكون معنية بخوض معركة أحد ضد أحد. فيما وجهة نظر أخرى تعتبر أن الحزب لا يريد الخوض في معركة استفزاز لأي طرف، ولكنه يسعى إلى تأمين الأصوات اللازمة لفرنجية. وبعدها يشرع بالذهاب إلى مفاوضات من موقع أقوى. وعندها يقدّم تسهيلات وتنازلات على خطّ رئاسة الحكومة وتشكيلتها.