كتب وسام أبوحرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
تستعيد بيروت اليوم الذكرى الثالثة للانفجار الهيروشيمي الذي ضرب مرفأها ودمّر نصف العاصمة تاركاً إياها تتخبّط بدماء أكثر من 200 ضحية و7 آلاف جريح، في ما وُصف بأنه «جريمة ضد الانسانية» ما زالت بعد 3 سنوات برسْم… مجهول معلوم.
وسط إقفالٍ عام، يَخْرُجُ الجَمْرُ مجدداً اليوم من تحت رمادٍ «من لحم ودم» سُفك في ذاك الرابع من اغسطس الذي زلْزل العالم حين انفجر أكثر من 500 طن من نيترات الأمونيوم (من أصل 2700) خُزّنت (منذ 2013) في العنبر رقم 12، فكان «بيروتشيما» الذي «هزّ» الكرةَ الأرضيةَ ولكن «صندوقَه الأسود» ما زال يستعصي على حقيقةٍ يُخشى أن تبقى سرّاً… دفيناً.
أمام المرفأ الذي «هوى» في 4 اغسطس سيحتشد الآلاف، من أهالي الـ 235 ضحية (بعضهم فارقوا الحياة بعد أيام وأسابيع على الانفجار) والجرحى والمتضررين، ومعهم مواطنون لا يصدّقون أن ثالث أقوى انفجار غير نووي عرفتْه البشرية قد يمرّ بلا «يوم حسابٍ» بعدما «استخدمت السلطات في لبنان كل السبل التي في متناولها لتقويض التحقيق المحلي وعرقلته بوقاحة لحماية نفسها من المسؤولية وترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في البلاد» كما أعلنت أمس منظمة العفو الدولية.
وعشية الذكرى، لم تهدأ المخاوف من أن تبقى السياسة وحساباتها أقوى من «الصوت» الذي سيعبّر عنه حضور الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا الوقفة التضامنية اليوم، في المرفأ مع ممثلي السفارات المعتمدة في بيروت والوكالات الدولية العاملة في العاصمة اللبنانية «لتأكيد عدم نسيان الضحايا وعائلاتهم والإصرار على مجراها للوصول إلى الحقيقة»، وأيضاً من مناشدات الأهالي تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية لمعرفة الحقيقة ووقف مسار طمْسها، وهو المطلب الذي تبنّاه أخيراً البرلمان الأوروبي وترفعه أكثر من 300 من منظمات المجتمع المدني اللبنانية والدولية.
ولم يكن عابراً أمس، بيان لـ «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» أعرب عن الأسف «لعدم إحراز تقدم في المسار القضائي»، داعياً «السلطات اللبنانية إلى ازالة جميع العقبات التي تحول دون تحقيق العدالة، وتسهيل استكمال تحقيق نزيه وشامل وشفاف».
وأضافت المجموعة «انّ ضمان المساءلة القضائية ومكافحة الإفلات من العقاب جزء لا يتجزأ من استعادة صدقية مؤسسات الدولة اللبنانية. والجمود الذي يكتنف التحقيق في انفجار المرفأ يؤكد الحاجة الملحة لحماية استقلالية القضاء اللبناني وحياده ونزاهته».
وسيشكّل الحشدُ المنتظر اليوم ما يشبه «الاستفتاء الشعبي» حول أولوية إحقاق العدالة وإخراج التحقيق من خلف قضبان السياسة التي التفّت على «عنقه» وعطّلته منذ ديسمبر 2021، فيما بدا تحرُّك نُظّم أمس داخل قصر العدل في بيروت الذي اقتحمه العشرات طبعوا على الأرض صور المسؤولين «المطلوبين للعدالة» للتذكير بوجوب محاكمتهم بقضية انفجار المرفأ، بمثابة عيّنة مما قد تشهده مرحلة ما بعد إحياء الذكرى اليوم في مؤشرٍ إضافي إلى أن ثلاثة أعوام من التسويف ومحاولاتِ تقويض الحقيقة لم تنجح في تطويع الأهالي ولا «تنويم» الملف رغم كل مساعي إبقائه… على الرف.
في موازاة ذلك، بقيت المعاينة لصيقةً للوضع في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين الذي يُخشى أن يكون دخل مرحلةً على طريقة «معارك بين الحروب» تنطبع بفتراتِ هدوء نهاراً ثم انهيار لوقف إطلاق النار تحت جنح الظلام.
وإذ عاش المخيم نهار أمس أجواء من الهدوء الحذر، لم تسترح السيناريوهاتُ التي تحاول التقصّي عن خفايا «تحريك الصفيح الساخن» في عين الحلوة، وسط تقارير عن عودة قادة إسلاميين إليه أخيراً ودخول مسلحين وإرهابيين من سورية إليه في سياقِ محاولاتٍ لإغراق حركة «فتح» في وقائع ميدانية أشبه بـ «ترسيم نفوذ» جديد على حساب حضورها ومن خلفها السلطة الفلسطينية، وذلك بخلفيةٍ تتصل بتوسيع رقعة السيطرة على القرار الفلسطيني والإمساك بمفاتيحه من قوى إقليمية تحت سقف «وحدة الساحات».
وفي حين لم تَسقط من القراءات اعتباراتٌ ترتبط بنياتٍ لتوريطِ الجيش اللبناني في «ملعب نارٍ» حارق، هو الذي يتم استهداف مراكز له في محيط المخيم، واستطراداً لجرّ مجمل الوضع اللبناني إلى منزلق أمني في توقيت سياسي تتحّكم به الأزمة الرئاسية ومحاولات خرق الانسداد الكامل الذي يطبعها، فإن «أسراراً» كثيرة تنطوي عليها ملابسات تفجير «عين الحلوة» وهل كانت نتيجة تلقائية لمحاولة اغتيال المطلوب «ابو قتادة» (يوم السبت وهو من الإسلاميين) ما أدى لمقتل شاب كان برفقته (عبد فرهود)، أم أن هذا التطور وما أعقبه من اغتيالٍ لرأس الهرم الأمني في المخيم القيادي الفتحاوي أبواشرف العرموشي خلال محاولته إنجاز التسوية لتسليم مطلق النار على ابو قتادة، هو «رأس جبلِ جليدِ» مخطط متعدد البُعد و… اللاعبين.