كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
كشفت حادثة الكحالة أمس الأول، من جديد، أنّ هامش الإحتضان الشعبي الذي تحلّت به المقاومة لتحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية، وفرضها أمراً واقعاً يدفع الآخرين إلى التأقلم مع ما تجسده من «قوة» إلى جانب المؤسسات الرسمية، بدأ يضيق جداً. وهذا ما برز مع سحب غالبيّة أبناء الكحالة بفئاتهم كافة وإنتماءاتهم السياسيّة والحزبية، الغطاء عن «حزب الله»، بل رفض ممارساته، أسوة بما فعل أبناء بلدة شويا – حاصبيا في آب 2021، وأبناء العشائر العربية في أكثر من محطة في بلدة خلدة.
وإن يسجّل لقيادة «حزب الله» بالتهديد أو الوعيد قدرتها على ضبط الحالات الرافضة استخدامها المناطق المأهولة دروعاً بشريّة من أجل مخاطبة الخارج عبر «الرسائل الصاروخية»، على غرار ما حصل في شويا وعلى تخوم الحدود مع إسرائيل، فإنّ حادثة الكحالة، وعلى الرغم من «بساطتها»، أظهرت تداعيات إطاحة تفاهم «مار مخايل» في الشارع المسيحي الذي أسقط بالنار الغطاء عن «المقاومة» وسلاحها، وبشكلٍ فردي، بعدما تبيّن أنّ الضحيّة فادي بجاني مقرّب من حزب «الوعد»، ومؤسسه الياس حبيقة، المعروف بصداقته لهذا «المحور»، بل المتحالف معه. وذلك قبل أن تصل الحال بعضو «تكتل لبنان القوي» النائب سيزار ابي خليل، إلى اعتبار بيان «حزب الله» الصادر عقب حادثة الكحالة، «يجافي الحقيقة» وربط بدء أي حديث بتسليم الفاعلين.
وعلى غرار كل حادث أليم، تدخل الحسابات السياسيّة والمحاولات لتعزيز المواقع بالإستفادة من إراقة الدماء ودموع الأمهات والأولاد، وهذا ما دفع البعض إلى جعل هذه الحادثة ذريعة إضافية يتسلّح بها رئيس «التيار الوطني الحر» في حواره المستجدّ مع «حزب الله»، ودفعه إلى إعادة استجداء الغطاء المسيحي الذي وفّره «تفاهم مار مخايل» للحزب منذ عام 2006. في حين وجد آخرون أنّ السهام التي أطلقت على «تفاهم 6 شباط»، والمواقف التصعيديّة المرتبطة بمقاربة الإنتخابات الرئاسيّة تركت أثراً كبيراً لدى قاعدة «التيار» الشعبيّة، من شأنها أن تحدّ من قدرة النائب باسيل على إعادة التحكّم بها، ووضعها من جديد لقمةً سائغةً على طاولة مقايضته الجمهورية ببعض المكتسبات الإدارية والماليّة مع «حزب الله». وهذا ما برز بما لا يحمل الشك من خلال تداعيات الحادثة، سياسياً على مستوى العلاقات بين القوى السياسيّة، وتحديداً بين «حزب الله» و»التيار الوطني»:
– إذ بدا «العونيون»، الجهة الأكثر إحراجاً ممّا حصل، خصوصاً بعدما عكست ردود الفعل في الشارع حالة احتقان شديدة التصلّب عند المسيحيين، لدرجة أنّ نواب «التيار» لم يجرأوا على التستر أو الدفاع عما حصل، بل انضمت لجنة الإعلام في «التيار» في بيانٍ أصدرته أمس، إلى مواقف النائب سيزار أبي خليل في تحميل «قصور «حزب الله» أو القوى الأمنية نتيجة سقوط الضحايا»، إلى جانب إعتبار «ما حصل عند كوع بلدة الكحالة جرس إنذار للخطر المحدق بدولة تتحلّل ومجتمع يتشنّج»، وذلك قبل رفض «أي إستغلال للأحداث، طارئة كانت أو مفتعلة، يدعونا كلبنانيين إلى الإسراع في حلّ مشاكلنا، بالحوار البنّاء والهادف فقط، لأنّ أي فتنة هي بمثابة انتحار جماعي سيعمل التيار مع العقلاء على منعها».
– أصبح التفاوض بين رئيس «التيار» النائب جبران باسيل و»حزب الله»، مثقلاً بتداعيات الحادثة، لن يكون سهلاً على باسيل تقديم الجمهورية ورئيسها على طبق من فضّة أمام «الحزب»، مقابل أثمان أو هدايا يعتبرها مهمة بالنسبة إلى المسيحيين، من بينها إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، والصندوق الإئتماني. بدليل أنّ كل الحملة الدعائية التي مارسها باسيل خلال الأسابيع الأخيرة للترويج «للمنتجين»، لم تؤتِ ثمارها. وهذا ما يجعل مهمته صعبة جداً اذا لم نقل مستحيلة في إقناع المسيحيين من جديد بجدوى تعويم «تفاهم مار مخايل».
– رغم كل ما حصل، سعى باسيل إلى استثمار الحادثة في مفاوضاته مع «الحزب»، على طريقة «الإبتزاز»، حيث قدّم «تياره»، الضمانة الوحيدة للحزب عوضاً عن الرئيس، إذ قال في بيانه «ما حصل يدلّ على أهميّة أن تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني – وإلا تفقد مناعتها وقوّتها – يحمي لها ظهرها شعب لا شخص. الدلالة كبيرة بأنه ما بيكفي يكون في وحدة شيعية، على أهميتها، حتى المقاومة تكون بخير والبلد بخير – الوحدة الوطنية بتبقى أكبر وأمنع. الدلالة كبيرة على أهمية الاستراتيجية الدفاعية الوطنية يلّي بتنظّم موضوع السلاح، حتى ما حدا يشعر بخطر منه بأي منطقة بلبنان».