جاء في “نداء الوطن”:
وُجدت اللغة الدبلوماسية للتخاطب بين الدول، ولتفادي الأزمات التي قد تنتج عن استعمال كلمات لا تليق بالعلاقات الدولية، خصوصاً اذا فُهِمَت بخلاف ما هو مقصود منها. فأكثر ما يثير المخاوف والامتعاض هو استخدام لغة أو تعابير بين أشخاص القانون الدولي، قد تدلُ على عدم احترام السيادة، أو تبدو كتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. فالمساواة على مستوى الدول من المبادئ الثابتة في المواثيق الدولية، بحيث يجب أن يُعبّر عنها من خلال استخدام مفردات دبلوماسية تحترم ذلك.
هذه المقدمة مقصود منها القول إنّ وزير الاقتصاد الوطني أمين سلام، بغض النظر عن توضيحه لما تحدث به، قد ارتكب هفوة في استخدام عبارة «شحطة قلم» في معرض حديثه عن دولة أخرى، وكان من المنطقي أن يأتيه الرد من رئيس الدبلوماسية الكويتية، وزير الخارجية الشيخ سالم عبد الله جابر الصباح الذي أعرب عن استياء واستنكار واستغراب بلاده لتصريح الوزير اللبناني، مطالباً بسحب التصريح حرصاً على العلاقات الطيبة بين البلدين.
وقد دلّ كلام الوزير سلام على قلّة خبرة في المجالين السياسي والدبلوماسي، فضلاً عن جهل واضح بآلية صناعة القرار في دولة الكويت الشقيقة، مستخدماً تلك العبارة التي لا تليق لا بنا ولا بهم. فصحيح أنّ أمير دولة الكويت هو رئيس الدولة، انما يحكم بموجب دستور 1962، الذي أعطى السلطة التشريعية دوراً مؤثراً لناحية الرقابة والتشريع، بحيث لا يمر قانون الا بعد أن يجيزه مجلس الأمة الكويتي، فهناك مؤسسة الأمير، وهناك الشعب الكويتي الذي يمثله البرلمان، وصناعة القرار تتم بالمشاركة بينهما، وهذا من قبيل التقييدات الدستورية لسلطة رئيس الدولة ولحكومته.
ففي مطلق الأحوال، حتى وإن كانت عبارة «شحطة قلم» مستخدمة في اليوميات اللبنانية، إنما هذا لا يجيز للوزير سلام، استخدامها من موقعه في معرض حديث أو طلب من دولة أخرى. فهذا تصرف خارج عن المألوف الدبلوماسي، ورد فعل دولة الكويت طبيعي وغير مستغرب. وقد أعادنا تصريحه لتصريحات غيره من الوزراء التي توجهت لدول الخليج بكلام غير مسؤول والأمثلة أكثر من أن تحصى.
والموقف الكويتي تجاه هذه الواقعة، قد دلّ على أن تدهور العلاقات اللبنانية – الخليجية هو مسار وليس قراراً، وهذه العلاقات على ما يبدو باتت تعوم على منطقة شديدة الحساسية تجاه الواقع اللبناني المأزوم. فدول الخليج لم تأخذ مواقفها تجاه لبنان انطلاقاً من قرار مسبق، بل هو نتيجة منطقية لمواقف بدت منحازة وغير متوازنة منذ أن رفض لبنان إدانة الهجوم على شركة «أرامكو»، ولفشل السياسة الخارجية اللبنانية في الالتزام بالمبادرة الكويتية – الخليجية التي كانت تهدف لاعادة الثقة بين لبنان وأشقائه العرب وتحديداً الدول الخليجية.
من المفيد القول إنّ الساسة في لبنان في حالة نكران، ويرفضون الاعتراف بواقع أنّ صورة لبنان قد تغيّرت خليجياً، فالابن والحفيد، يختلفان عن الأب والجد، اللذين كانا ينظران إلى لبنان على أنه أيقونة وأنه المتنفس السياحي والثقافي والفكري، فالمواطنون الخليجيون راهناً، يحملون جوازات سفر تمكنهم من اكتشاف دول الكرة الأرضية قاطبة، ليختبروا تجاربهم الخاصة، المختلفة حتماً عن تجارب الآباء والاجداد. فمعلوم أنّ لكل جيل ثقافته المعبرة عن رؤيته للعالم. ولبنان على ما يبدو ضحية لصراع الأجيال، وهذا ما نلمسه من الردود والتصريحات التي يطلقها الشباب الخليجي عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تؤكد أنّ منسوب العاطفة تجاه بلدنا بات بحدوده الدنيا. إنّه واقع يجب أن يؤخذ في الاعتبار لفهم المرحلة الحرجة بين لبنان ودول الخليج، ولتلمس الحلقة الضائعة في ما بينهم.
ولإخراج العلاقة مع دول الخليج من عنق الزجاجة، يجب الانطلاق من السياسة وليس من العواطف، فالتصدعات في العلاقات، هي بالدرجة الأولى، نتاج خللٍ سياسي وتشتت في صناعة القرار الخارجي المعبر حصراً عن المصلحة الوطنية المختلف حولها في لبنان. فهل من ربّان لهذه الطائرة يصلح سياستنا الخارجية، التي نسعى من خلالها مجدداً الى كسب قلوب وعقول أهل الخليج العربي، بدلاً من الوقوف على الاطلال وبكاء الدمن؟
ختاماً، بين الضفدعة التي تسمع، والضفدعة الصماء، نختار الضفدعة الصامتة. فقديماً قيل: إذا نطقت بالكلمة ملكتك، وإذا لم تنطقها ملكتها.