IMLebanon

ما الأخطر: “واقعة الكحالة” أو “جريمة العاقبية”؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

لم تقرأ المراجع الديبلوماسية «واقعة الكحالة» الاربعاء الماضي كما قرأها اللبنانيون في توقيتها وشكلها والنتائج المترتبة عليها. كذلك لم ولن تتوقف امام كثير من التفاصيل الداخلية التي انشغل بها اللبنانيون. وإن تطلعت اليها فمن زوايا مختلفة تتصل بما شكّلته وقائعها من مخالفات عينية للقرارات الدولية، الى درجة تمّ ربطها بجريمة العاقبية التي ذهب ضحيتها جندي إيرلندي من قوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل». وعليه، ما هي العناصر التي قادت إلى هذه القراءة؟

إن استفاق بعض المسؤولين اللبنانيين على انّ أياً من الضابطة العدلية المتمثلة بالقضاء العسكري والمباحث الجنائية المركزية كُلّفت الكشف على مسرح الجريمة فور وقوعها قبل العبث بالأدلة، لم يزر او يتفقّد المنطقة، فإنّ أياً من الديبلوماسيين المعتمدين في لبنان كان في حاجة إلى مثل هذه الوقائع لإبداء الرأي في ما حصل ومراسلة دولهم والمراجع الأممية التي عليها مواكبة ما حصل والوقوف على وقائعه. ذلك أنّ قراءة مثل هذا الحدث يمكن أن تتمّ من خلال المتابعة السياسية والديبلوماسية والقانونية الدولية، بعيداً من وجود أي منهم في منطقة الحادث.

وعليه، وإن سجّلت المراجع الحكومية والقضائية والقانونية اللبنانية مثل هذا النقص القضائي والعسكري في التعاطي مع ما حصل، فإنّها تناولت بطريقة ملتبسة بالانتقاد العلني، لمجمل الإجراءات التي اتُخذت عقبها، بما فيها تلك التي اتخذتها قيادة الجيش بمختلف أجهزتها المخابراتية والقوى الميدانية والقوى الأمنية الاخرى التي عبثت بمسرح الجريمة، فغيّرت من مختلف المؤشرات والمعطيات التي كان يجب إحاطتها بالأشرطة الصفراء حفاظاً على سلامتها، ليُبنى عليها التحقيق بمختلف المراحل التي تُعتمد في مثل هذه الحالات.

وعلى وقع القراءة العملية التي قامت بها جهات حزبية وسياسية وقانونية ومجموعة من الجمعيات الأهلية بمختلف اختصاصاتها القانونية، وما سجّلته من ملاحظات سلبية طاولت الإجراءات التي رافقت وقائع الحادث منذ لحظة وقوعه عصر ذلك اليوم وما تلاه من أحداث اعتُبرت نتيجة لما حصل وما تسبب به الحادث، فإنّ ما عبّر عنه وزير الداخلية القاضي بسام المولوي كان كافياً لوصف ما حصل وتقويمه. فهو سجّل من موقعه كوزير مسؤول عن الأمن في لبنان، وعلى خلفية ثقافته القضائية موقفاً لم يسبقه إليه اي مسؤول حكومي، عندما انتقد صراحة «عدم حضور الأجهزة المختصة وخصوصاً القضاء العسكري الذي كان عليه ان يكون اول الحاضرين إلى مسرح الحادث».

وبعيداً من هذه المعطيات، فقد كانت للمراجع الديبلوماسية والأمنية قراءة مختلفة عن تلك التي عبّرت عنها الجهات اللبنانية المختلفة، وبعيدة كل البعد عن خلفياتها. وهو ما اختصره أحد الديبلوماسيين الغارقين في تفاصيل الوضع في لبنان، بإشارته الى انّ ما حصل تجاوز ما حرصت عليه حكومات الدول الصديقة للبنان ومعها المراجع الأممية المعنية، من أجل مساعدة لبنان على الخروج من الأزمات المتعددة التي عاشها منذ عقود، ولا سيما الخرق الكبير لمضمون القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان ومنها القرارات 1559 و1680 وصولاً الى القرار 1701 والتي ما زالت معتمدة في أروقة الامم المتحدة وعلى المستوى الديبلوماسي، في ظلّ السعي الى السهر على تطبيقها بمختلف مندرجاتها.

وإن دخل مرجع ديبلوماسي بارز في التفاصيل، فهي تتعمّق في الاشارة اولاً الى انّ ما حصل شكّل خرقاً للقرار 1559 الذي صدر في الثاني من أيلول العام 2004، مستنداً الى ما سبقه من قرارات سابقة في شأن لبنان، ولا سيما القرارين 425 (1978) و 426 (1978) المؤرخين بتاريخ 19 آذار 1978 والقرار 520 المؤرّخ بتاريخ 17 أيلول 1982، والقرار 1553 المؤرّخ 29 تموز 2004، فضلاً عن البيانات التي صدرت عن رئيس مجلس الأمن في تلك الفترة حول الوضع في لبنان. وهو القرار الذي تحدث عن «انسحاب جميع القوات الأجنبية المتبقية من لبنان ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتمديد سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية والاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية الحكومة اللبنانية في جميع أنحاء لبنان».

والى ما سُجّل من خرق لهذا القرار، فقد شكّل حادث الكحالة خرقاً للقرار 1680 الذي صدر في 17 أيار 2006 وشاركت في تقديمه فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وامتناع اثنين من الأعضاء الدائمين لديه عن التصويت وهما الصين وروسيا. وهو القرار الذي استند إلى جميع القرارات التي سبقته في شأن لبنان، وشجّع سوريا على الاستجابة إيجاباً لطلب لبنان بتعيين الحدود وإقامة علاقات ديبلوماسية بهدف تأكيد سيادة لبنان وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي. وشدّد حرفياً في «الفقرة الخامسة» منه انّ على «حكومة لبنان إتخاذ إجراءات ضدّ عمليات نقل الأسلحة إلى أراضيها، ويهيب بحكومة سوريا بأن تتخذ تدابير مماثلة لها».

وبالإضافة الى هذين الخرقين، فقد استطرد المرجع الديبلوماسي ليشير إلى خرق مماثل لمضمون القرار 1701 الذي صدر في الذكرى السنوية السابعة عشرة لصدوره في 12 آب 2006، والذي جدّد التأكيد على القرارات السابقة بلغة أكثر تشدّداً مع «زيادة عديد القوات الدولية المعززة» والمطالبة بتطبيق القرارات السابقة التي تحدثت بالإضافة الى «وقف تام للأعمال القتالية» استناداً الى معادلة اعتُمدت للمرّة الاولى عندما قالت بـ «وقف حزب الله الفوري لجميع الهجمات، ووقف إسرائيل الفوري لجميع العمليات العسكرية الهجومية»، وطالب «حكومة إسرائيل بسحب جميع قواتها من جنوب لبنان بشكل موازٍ مع انتشار هذه القوات في الجنوب». والتشديد على «أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية وفق أحكام القرار 1559 (2004) والقرار 1680 (2006)، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، وأن تمارس كامل سيادتها، حتى لا تكون هناك أي أسلحة من دون موافقة حكومة لبنان ولا سلطة غير سلطة حكومة لبنان».

عند هذه المعطيات يكتفي المرجع الديبلوماسي بهذه الملاحظات، معتبراً أنّها كافية للتعبير عن القراءة الأممية والديبلوماسية لما حصل، بعيداً من الزواريب اللبنانية وحملات الاستثمار او الاستهتار بما حصل، ليشير الى انّ لهذه الحادثة طعماً ومذاقاً دوليين سيئين جداً، وقد تشكّل خطراً اكبر بكثير من جريمة العاقبية التي ذهب ضحيتها أحد الجنود الإيرلنديين في قوات حفظ السلام الدولية («اليونيفيل») وأصيب ثلاثة آخرون من زملائه بجروح، في 14 كانون الأول العام الماضي. ذلك أنّ ما حصل الاربعاء الماضي لمجرد أنّ ما كانت تقلّه الشاحنة قد عبر نقاطاً حدودية سورية وربما قبلها الحدود العراقية، فحمولتها من الذخيرة لم تُصنع في لبنان. ولذلك فقد جاءت في أسوأ توقيت تزامناً مع الحملة الديبلوماسية اللبنانية لشطب التعديل الأخير على المهمّات وقواعد الاشتباك المعتمدة لدى «اليونيفيل» كما كانت قبل آب الماضي، لجهة إلزامها مرّة أخرى على التعاون مع الجيش اللبناني في اعمال الدورية. وهنا تكمن خطورة ما حصل بعيداً من كل التفسيرات اللبنانية المتناقضة.