كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
لم تكن لتمرّ حادثة سقوط شاحنة «حزب الله» مع مرافقين مسلّحين، من دون أي إشكال، في أي منطقة «تقع» وليس فقط في الكحالة. المسألة الخلافية في البلد لم تعد محصورة بين «حزب الله» وأفرقاء سياسيين. النقمة باتت من الأهالي تجاه «الحزب» مهما كانت هوياتهم السياسية، بحيث يتحرّكون تلقائياً بمعزل عن أي إيعاز حزبي. هذا ما حصل في الكحالة، والرجل الذي استُشهد وهو يواجه مسلّحي «الحزب» ينتمي إلى حزب «الوعد». وهذا ما سبق أن حصل عندما تصدّى أهالي شويا الدروز لصواريخ «الحزب» في منطقتهم، وعندما تصدّى عرب خلدة السنّة في أكثر من محطة لسلاح «الحزب» في الداخل.
متابعة وسائل التواصل الاجتماعي إثر حادثة الكحالة إضافةً إلى مواقف أهالي المنطقة، تظهر مدى «النقمة» على «حزب الله» وعلى حليفه المسيحي «التيار الوطني الحر» الذي يغطّي سلاحه وممارساته الخارجة عن الدستور والدولة. كذلك تُظهر هذه المتابعة مدى «اتكال» فئة واسعة من المسيحيين، وخصوصاً الشباب، على الأحزاب المسيحية المعارضة، لا سيما منها «القوات اللبنانية»، لمواجهة «حزب الله». تعليقات و»بوستات» وتغريدات عدة تُظهر نوعاً من العتب على هذه الأحزاب وتطالبها بالتحرُّك وتحريك الناس والشارع، تحت عنوان: «كفى»، كفى سكوتاً عن «حزب الله» بالفعل والاكتفاء بالكلام.
إلى ذلك، تشعر شريحة مسيحية أنّها مُستهدفة، مع اعتبارها أنّ «حزب الله» يسيطر على الدولة ويفسد فيها أو يحمي الفساد فيها، يعرقل التحقيق في تفجير مرفأ بيروت (مع اقتناع بأنّه ضالع فيه بطريقة أو بأخرى)، يعطّل مؤسسات الدولة لفرض توجهاته ومطالبه، ويمنع انتخاب رئيس للجمهورية.
إنطلاقاً من هذه الوقائع، برزت مطالبات شعبية بالنزول إلى الشارع حتى الوصول إلى عصيان مدني لتغيير الواقع القائم خصوصاً لجهة «خطر» ممارسات «حزب الله» وسلاحه، مع التخوف من نوع الأسلحة والذخائر التي يملكها وجهة استخدامها. وسأل كثيرون: ماذا لو انفجرت هذه الشاحنة على «كوع» الكحالة؟
«القوات» باتت حزباً كبيراً يحظى بشعبية واسعة وأكبر كتلة نيابية مسيحية وتشكّل عصب المجتمع المسيحي وشبابه. وأي قرار تتخذه قيادة «القوات» أو موقف تدلي به، يعني جرّ مجتمع بكامله إلى هذا القرار أو الموقف، وبالتالي يجب تقدير هذا الموقف بظرفه ولحظته وميزان القوى القائم، فـ»العنتريات» لا تحقّق شيئاً، بحسب مصادرها.
تتفهّم «القوات» نقمة الناس والمسيحيين خصوصاً جرّاء الانهيار القائم وخطف الدولة وحالات التعدّي المتنقّلة والإشكالات الفردية. لكنّها تعلم أنّ دعوة الناس إلى النزول إلى الشارع لن تحقّق الآن المبتغى. سبق وأن دلّت «القوات» الناس إلى الطريق، عبر شعار «بدنا وفينا» قبل الانتخابات النيابية الأخيرة. وإذ تعرّضت للانتقاد على هذا الشعار، تبيّن من خلال ميزان القوى في مجلس النواب أهمية الانتخاب وتكوين أكثرية معارضة لـ»حزب الله»، مسيحية ووطنية.
النزول إلى الشارع، يعني شارعاً مقابل شارع، علماً أنّه لا بوادر لانضمام مجموعات وطنية إلى الشارع المعارض، والشارع مقابل الشارع، يعني سقوط قتلى، من دون قدرة على فرض ميزان قوى جديد في الساحة اللبنانية في ظلّ وجود سلاح «حزب الله». هذا لا يعني الاستسلام للأمر الواقع، بل سلوك طرق المواجهة الأنجع، فـ»القوات» تعتبر أنّ حزب الله «مزروك» ولا يجب إعطاؤه باب خلاص. فجرّ الناس إلى إشكال في الشارع ينقذ «الحزب»، بدلاً من أن يكون «مزروكاً» لأنّه من ينقل السلاح والدولة مسؤولة عن ذلك. كذلك إنّ «الأهالي» هم من ينتفضون في وجه «حزب الله» ومن كلّ البيئات، فلا يجب إراحة «الحزب» بنقل المواجهة إلى حزبية – حزبية أو طائفية.
ستبقى «القوات» تواجه في الملعب حيث تحقّق ربحاً على «الحزب»، ولن تنجرّ إلى ملعبه وإعطائه «باس» لتحقيق المكاسب. «الحزب» غير قادر على الإتيان بمرشحه الرئاسي، «القوات» لا تتنازل لا في السياسة ولا في الرئاسة، الرفض الشعبي لتهديدات ووعيد و»غطرسة» الحزب يتوسّع، فلماذا الانتقال إلى الملعب السهل بالنسبة إليه حيث هو ممسك ببيئته ويملك ترسانة صواريخ وأسلحة، ويمكنه وضع الجيش في وجه الشارع المقابل، فيما الآن هناك ضغط على المؤسسة العسكرية للتعامل مع «سلاح» حزب الله المتنقّل؟
وبالتالي يبقى الأساس بالنسبة إلى «القوات»، تحرير الدولة ومؤسساتها لكي تتحمّل مسؤوليتها ولتعرية مشروع «حزب الله». الناس «يهبون» في وجه «الحزب»، وهذا يعبّر عن ضيق نفس من «رفع الإصبع» وهذا ما «يؤرق» حزب الله»، لأنّ هؤلاء الأهالي ومن دون أي خلفية انتمائية يواجهون «تعدياته» ويدافعون عن أنفسهم ومناطقهم وحياتهم وكرامتهم ومصالحهم. أمّا تحريك شارع ما يدفع إلى تحريك شارع مقابل، فهو «هدية» لن تقدّمها «القوات» إلى «الحزب» في ظلّ الوضع القائم الآن، مع اتخاذ القرارات والخطوات السياسية المناسبة في وجه «الحزب» بحسب كلّ حادث وظرف.