كتب خضر حسان في “المدن”:
ليست الانقلابات غريبة عن دول القارة الإفريقية، وكذلك عن اللبنانيين الذين هاجروا إليها سعياً لحياة مادية أفضل. وكما يستفيدون من خيراتها، يواجهون مصاعبها، وأخطرها الانقلابات التي تفتح المجال أمام الفوضى، فتكثر حينها السرقات وأعمال التخريب وصولاً إلى القتل.
وحتى اللحظة، لا يستدعي الانقلاب الحاصل في النيجر، رفع مستوى القلق والخوف من الفوضى. ولذلك، لم يسارع اللبنانيون هناك إلى حزم أمتعتهم وإغلاق مؤسساتهم ومغادرة البلاد. لكنّهم يترقّبون الأحداث بحذر.
على عكس ساحل العاج ونيجيريا ومالي وبنين في غرب افريقيا، لا يزيد عدد اللبنانيين في النيجر عن نحو 250 شخصاً، يعملون في تجارة المواد الغذائية ومواد البناء، وكذلك في مصانع الإسفنج والدهانات وغيرها، ويمتلك بعضهم مطاعم ومحال عصير وبوظة، وفق ما يؤكّد اللبناني المقيم في النيجر ربيع الحاج، الذي ترك دولة مالي ليجرّب سوق العمل في النيجر، بعد زيادة النشاط في ذلك البلد خلال السنوات العشرة الأخيرة، بحسب ما يقول لـ”المدن”.
النيجر ليست بلداً صناعياً ضخماً، على حد تعبير الحاج، لكن فيه سوق عمل واعد يجذب الاستثمارات ويجذب اللبنانيين، وهناك الكثير منهم انتقلوا من السنغال ومالي ودول أخرى، إلى النيجر، ولم يفكّر أحدٌ بحصول الانقلاب أو بالأحداث الأمنية الخطرة.
الانقلاب المفاجئ والسريع، انعكس على السوق وشلَّ حركته، وخصوصاً في العاصمة نيامي. وأولى الانعكاسات الاقتصادية تمثّلت في “وقف أو تقليص السحوبات النقدية من المصارف، فضلاً عن شلّ الحركة التجارية في الأسواق التي ما تزال مفتوحة حتى الآن”. وساعَدَ توقُّف الاستيراد من كوتونو (العاصمة الاقتصادية لدولة بنين المجاورة للنيجر)، بشكل شبه تام، في شلّ الأسواق في النيجر والإضرار بمصالح اللبنانيين الذين يعتمدون على هذا الاستيراد في تغذية مصانعهم ومؤسساتهم. أما الركون إلى غيرها من الدول المجاورة للتخفيف من حدّة الأزمة اقتصادياً، فدونه صعوبات ومخاطر. يقول الحاج أن “المرور في بوركينا فاسو غير آمن. أمّا الجزائر فالطريق عبرها قد يسبب انقلاب الشاحنات بسبب رمال الصحراء”.
على غرار الحاج، جذبت النيجر بلال حطيط الذي يدير مطعماً هناك، والذي لم يسارع لمغادرة البلاد بعد “فنحن ننتظر حتى آخر لحظة، ولا يمكننا ترك مصالحنا والخروج حالياً. فالبلد هادئ حتى الآن، ومع ذلك نشعر بالخوف لأن ما يحصل هو انقلاب وليس أمراً عادياً، بل يثير المخاوف من احتمالات التصعيد نحو السرقات والقتل والجوع”.
الهدوء سمة إيجابية، لكن “الشلل الاقتصادي الذي وصل إلى نحو 70 في المئة”، مُخيف. والأكثر رعباً بالنسبة إلى مواطني النيجر واللبنانيين هناك، هو “احتمال دخول مجموعات إرهابية من بوركينا فاسو”. ويعوّلون على بقاء الحدود مع بنين سالكة وآمنة للوصول إلى كوتونو ومنها إلى لبنان.
منذ بداية تطوّر الأحداث في البلاد، عزَّزَ اللبنانيون في النيجر تواصلهم مع بعضهم عبر مجموعات “الواتساب”، وكذلك تواصلهم مع السفارة اللبنانية في أبيدجان في ساحل العاج، بوصفها القناة الدبلوماسية الأسهل والأسرع إليهم. وطلبت السفارة منهم “تسجيل الأسماء، ليحددوا ما إذا كان هناك امكانية لإرسال طائرة لإجلاء اللبنانيين في حال ساءَ الوضع في النيجر. وكذلك طلبوا في السفارة تزويدهم بأسماء اللبنانيين الذين يغادرون من تلقاء أنفسهم، كي يشطبوا أسماءهم”. ويتساءل الحاج عمّا إذا كان هناك نية لدى الدولة اللبنانية بـ”إجلاء اللبنانيين في النيجر مجاناً. لكن هذا الموضوع لم يُطرَح علينا بعد. علماً أن بعض الدول العربية والأوروبية أجْلَت رعاياها على نفقتها”.
بالتوازي مع السفارة اللبنانية في أبيدجان، تحرّكت الهيئة العليا للإغاثة ووجّهت دعوة إلى اللبنانيين غير القادرين على العودة من النيجر، ودعتهم لـ”التواصل مع خلية الأزمة التي تترأسها القائمة بالأعمال في سفارة النيجر، ماجدة كركي”. وفي حديث لـ”المدن”، أشار الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير إلى أن “اللبنانيين في النيجر لا يرغبون حالياً بترك البلاد، بل يريدون الانتظار، خصوصاً وأن عائلاتهم تمضي فرصة الصيف في لبنان”. والهيئة في لبنان “تتابع الوضع في النيجر وتراقب ما إذا كان الخطر سيزداد أو تشتعل الحرب. وفي جميع الأحوال، أبلغنا اللبنانيين هناك بأن الدولة اللبنانية جاهزة لمساعدتهم متى احتاجوا ذلك”.
يبثّ اللبنانيون في النيجر بعضَ الطمأنينة. يعزّونَ أنفسهم بفرص العمل الواعدة رغم الاحتمالات المفتوحة على الفوضى. ومع أن “نحو 40 لبنانياً غادروا البلاد”، إلاّ أن الغالبية تنتظر وتواصل يومياتها بشكل شبه طبيعي، من الخروج إلى السوق والتجوّل نهاراً، فالواقع “يختلف كثيراً عمّا تبرزه وسائل الإعلام التي تضخِّم الأحداث”.
لكن القرار الحاسم بالنسبة إلى اللبنانيين “يأتي بعد نحو شهر. إذ تتّضح الأمور أكثر، فإما أن تصبح أسوأ فنغادر وإما أن تنفرِج ونبقى”. وتساعد جملة من المؤشّرات على اتخاذ القرار الأفضل “فحتى الآن، ورغم شلل مصالحنا، لكن المواد الغذائية متوافرة والأسواق مفتوحة والأمن ممسوك، ونحن نتّخذ احتياطاتنا، فلا نتجوّل ليلاً على سبيل المثال. أمّا حين تنقطع المواد الغذائية وتقفل الأسواق ويزيد الخطر الأمني، فسنغادر. قبل ذلك، لا يمكننا ترك مؤسساتنا”.