كتب حبيب البستاني في “اللواء”:
تتكاثر المشاهد والأحداث التي تتوالى تباعاً على البلد وكأننا أصبحنا نعيش بين لعنتين، لعنة التاريخ ولعنة الجغرافيا، وما بينهما من مؤامرات ومصادفات كلها تستثمر وتوظّف في سبيل هدف واحد ألا وهو محاولات يائسة لتفجير البلد والقضاء على موسمه السياحي الأنجح على الإطلاق، وذلك بالرغم من تحذيرات وتنبيهات الأشقاء الذين يتوالون على إصدار بيانات منع السفر لرعاياهم، في الوقت الذي يعلنون فيه أن المنع لا يستهدف النيل من السياحة اللبنانية.
فالدور الذي كانت تتقنه إسرائيل بشنّ غارات صيفية على لبنان والعربدة في سمائه، وذلك لضرب الموسم السياحي ومنع لبنان من الاستفادة من مورد الرزق الأساسي الذي يتمتع فيه ألا وهو السياحة، هذا الدور لم يعد متاحاً بعد اليوم بفعل قواعد الاشتباك الجديدة وتوازن الرعب الذي نشأ بعد حرب تموز من العام 2006.
إذن مع استحالة لعب الدور الإسرائيلي كان لا بد من الاستعانة بأفرقاء داخليين ينفذون الأجندات لا بل المؤامرات الخارجية. وفي ظل هذ الجو المتلبّد والمعطيات الإقليمية الجديدة المتمثلة بسوء تفاهم إيراني – سعودي مستجد واكبه سوء تفاهم سعودي – كويتي من جهة وإيراني من جهة أخرى وذلك تحت عنوان النزاع التاريخي حول حقل الدرة للغاز، انفجرت أحداث عين الحلوة بين رفاق السلاح.
الفلسطينيون ينتحرون في عين الحلوة
إذن كرمى لأفرقاء الخارج جعل الفلسطينيون من أنفسهم وقوداً لصراعات الإقليم، وكأن المطلوب إفشال الاتفاق الفلسطيني – الفلسطيني الذي حصل بين مختلف الفصائل الفلسطينية في العلمين في مصر. فدخل الفلسطينيون في دورة جديدة من الاقتتال الداخلي في عين الحلوة، غير عابئين لا بوجود عشرات ألوف المدنيين القاطنين في المخيم من جهة، ووجود مئات الآلاف من سكان صيدا والمحيط الذين شكّلوا على مرِّ الأيام البيئة الحاضنة للفلسطيني، وقد أدّت الاشتباكات بين حركة فتح وجند الشام والإسلاميين إلى تهجير الفلسطينيين من المخيم وإلى شلّ الحركة في مدينة صيدا والجوار. وهكذا قام الفلسطيني بعملية انتحار جماعية قد تهدّد الوجود الفلسطيني برمّته ليس في عين الحلوة فحسب بل في مخيمات الشتات.
كوع الكحالة
بعد أحداث مخيم عين الحلوة المفتعلة والمبرمجة لمليون سبب وسبب جاءت حادثة الكحالة وانقلاب الصدفة لشاحنة السلاح التابعة لحزب الله، لتعطي الدليل الساطع على هشاشة الوضع اللبناني الداخلي المأزوم الذي تحوّل وفي أقل من ساعات إلى مادة استغلال للفرقاء الجاهزين والحاضرين الذين لم يلبثوا أن بدأوا بذر بذور الفتنة والانقسام بين اللبنانيين لا سيما بين المسيحيين وجمهور المقاومة.
إن ما حدث في الكحالة وما رافقه من استذكار لأحداث الكوع الشهير وبطولات أهالي البلدة الذي انطبع عبر التاريخ الحديث ومنذ الحرب الأهلية، في وجدان كل المسيحيين، كاد أن يتحوّل إلى خط تماس جديد ليزيد الفرقة بين اللبنانيين.
لقد بات ملحّاً أن يعي الجميع خطورة المرحلة وأن يتصرف كل اللبنانيين بموجب الشراكة الحقيقية بينهم، فمنطق الغلبة لن يولّد إلّا الحقد والكراهية وبالتالي علينا جميعاً الانتقال إلى منطق التفاهم والوئام، كطريق وحيد لطي صفحة الماضي وقطع الطريق على كل المصطادين في الماء العكر وعلى أصحاب المشاريع الهدّامة المرتبطة بأجندات خارجية قد تشكّل خطراً محدّقاً على وجود لبنان.